للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أنهم تذكّروا أحاديث سمعوها من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يرووها إلا في مناسباتها، أو حين تذكّرها.
فمن ذلك:
١ - ما قاله حذيفة -رضي اللَّه عنه- قال: قام فينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مقامًا ما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلَّا حدَّث به، حَفِظَه مَنْ حَفِظَه، ونَسِيَه مَنْ نَسِيَه، قد علمه أصحابي هؤلاء، إنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأرأه فأذكُره كما يذكُر الرجل وجْهَ الرَّجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عَرَفَه.
٢ - وروى مسلم عن عمرو بن أخطب قال: صلَّى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلَّى نم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا.
٣ - ما فعله عبد اللَّه بن الزبير -رضي اللَّه عنهما- حينما تولّى الخلافة سنة ٦٤ هـ، فإنه أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فإن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ما تَرَك ذلك إلا لحدثان الناس بالإسلام، فلما زالت هذه العِلّة أعاد ابن الزبير بناء الكعبة.
وشكّ عبد الملك بن مروان في ذلك فهدم الكعبة، وأعاد بناءها على البناء الأول. .
روى الإمام البخاري أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل اللَّه ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول سمعتها تقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا عائشة، لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحِجْر، فإن قومك قصروا في البناء"، فقال الحارث بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدِّث حذا. قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير.
فهذا عبد الملك يعود إلى قول ابن الزبير، وذلك أن ابن الزبير لم ينفرد بهذا الحديث عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، وإنما رواه غيره عنها.
هذا من جهة ومن جهة أخرى لم يقُل عبد الملك بن مروان لِمَ لَمْ يتذكّر ابن الزبير هذا إلا بعد أن تولّى، وبعد ما يزيد على خمسين سنة بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-!
إلى غير ذلك مما لا يُذكر إلا في حينه، ولا يُذكر إلا في مناسبته.
ثم إن أبا بكرة -رضي اللَّه عنه- لم ينفرِد برواية الحديث، شأنه كشأن حديث عائشة في بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، إذ لم ينفرد به ابن الزبير عن عائشة.
فحديث: "لا يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" قد رواه الطبراني من حديث جابر بن سمرة -رضي اللَّه عنه-. فزالت العِلّة التي علّلوا بها، وهي تفرّد أبو بكرة بهذا الحديث، ولو تفرّد فإن تفرّده لا يضر، كما سيأتي -إن شاء اللَّه-. =

<<  <  ج: ص:  >  >>