زعم بعضهم أن الحديث مكذوب، فقال: الكذب في متن الحديث فهو القول بأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قاله لما بلغه أن الفرس ولوا عليهم ابنة كسرى. في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى. الجواب: هذا أول قائل إن في البخاري حديثًا موضوعًا مكذوبًا، ولولا أنه قيل به لما تعرّضت له! لسقوط هذا القول، ووهاء هذه الشبهة! فإن كل إنسان يستطيع أن يُطلق القول على عواهنه، غير أن الدعاوى لا تثبت إلا على قدم البيِّنة وعلى ساق الإثبات. فإن قوله: (في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى). دعوى لا دليل عليها ولا مستند سوى النفي العام! في حين أن القاعدة: الْمُثبِت مُقدَّم على النافي. وكُتب التاريخ قبل كُتب الحديث تنص على ذلك. قال ابن جرير الطبري في التاريخ: ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنوشروان. وقد عَقَد ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) بابًا قال فيه: ذكر ملك (بوران) ابنة ابرويز بن هرمز بن أنوشروان. ثمٍ قال: لما قُتِل شهريراز مَلَّكَتْ الفرس (بوران) لأنهم لم يجدوا من بيت المملكة رجلًا يُمَلِّكونه، فلما أحسنتْ السيرة في رعيتها، وعدلتْ فيهم، فأصلحت القناطر، ووضعت ما بقي من الخراج، وردّت خشبة الصليب على ملك الروم، وكانت مملكتها سنة وأربعة أشهر. ولا يخلو كتاب تاريخ من ذِكر تولِّي (بوران) الْحُكُم. فقد ذَكَرها خليفة بن خياط، واليعقوبي، وابن خلدون، واليافعي، وكُتب تواريخ المدن، كتاريخ بغداد، وغيرها. على أنه لو صحّ (أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى). لكان فيه دليل على قائله وليس له! كيف ذلك؟ يكون قد أثبت أنه لا يُعرف لا في جاهلية ولا في إسلام أن امرأة تولّت مَنْصِبًا! ! الشبهة الثالثة: قول القائل: هل من المعقول أن نعتمد في حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده (أبو بكرة) في عهد عمر بن الخطاب تطبيقًا لحد القذف؟ ! =