وروى بسنده عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- أنه قال: "استمعوا علم العلماء ولا تصدقوا بعضهم على بعض، فوالذي نفسى بيده لهم أشد تغايرًا من التيوس في زروبها". وعن مالك بن دينار يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء إلا قول بعضهم في بعض. قلت: ورأيت في كتاب معين الحكام لابن عبد الرفيع من المالكية وقع في المبسوطة من قول عبد اللَّه بن وهب أنه لا يجوز شهادة القارئ على القارئ يعني العلماء لأنهم أشد الناس تحاسدًا وتباغيًا. وقاله سفيان الثوري ومالك بن دينار. انتهى. ولعل ابن عبد البر يرى هذا ولا بأس به غير أنا لا نأخذ به على إطلاقه ولكن نرى أن الضابط ما نقوله من أن ثابت العدالة لا يلتفت فيه إلى قول من تشهد القرائن بأنه متحامل عليه إما لتعصب مذهبي أو غيره. ثم قال أبو عمر بعد ذلك الصحيح في هذا الباب أن من ثبتت عدالته وصحت في العلم إمامته وبالعلم عنايته لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحته على طريق الشهادات. واستدل بأن السلف تكلم بعضهم في بعض بكلام منه ما حمل عليه الغضب أو الحسد ومنه ما دعا إليه التأويل واختلاف الاجتهاد فيما لا يلزم المقول فيه ما قال القائل فيه. وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلًا واجتهادًا. ثم اندفع ابن عبد البر في ذكر كلام جماعة من النظراء بعضهم في بعض وعدم الالتفات إليه لذلك إلى أن انتهى إلى كلام ابن معين في الشافعي وقال: إنه مما نقم على ابن معين وعيب به وذكر قول أحمد بن حنبل: من أين يعرف يحيى بن معين الشافعي هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقوله الشافعي ومن جهل شيئًا عاداه. قلت: وقد قيل: إن ابن معين لم يرد الشافعي وإنما أراد ابن عمه كما سنحكيه إن شاء اللَّه تعالى في ترجمة الأستاذ أبي منصور وبتقدير إرادته الشافعي فلا يلتفت إليه وهو عار عليه وقد كان في بكاء ابن معين على إجابته المأمون إلى القول بخلق القرآن وتحسره على ما فرط منه ما ينبغي أن يكون شاغلًا له عن التعرض إلى الإمام الشافعي إمام الأئمة ابن عم المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم-. ثم ذكر ابن عبد البر كلام ابن أبي ذيب وإبراهيم بن سعد في مالك بن أنس قال: وقد تكلم أيضًا في مالك عبد العزيز بن أبي سلمة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ومحمد بن إسحاق وابن أبي يحيى وابن أبي الزناد وعابوا أشياء من مذهبه وقد برأ اللَّه عز وجل مالكًا =