ومن جمع ما ذكرنا من الحديث والفقه والأصول والغوص على المعاني الدقيقة لا يشكل عليه من ذلك إلا النادر في الأحيان والمختلف قسمان؛ أحدهما: يمكن الجمع بينهما بوجه صحيح فيتعين ولا يصار إلى التعارض ولا النسخ ويجب العمل بهما ومن أمثلة ذلك في أحاديث الإحكام حديث: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"، وحديث: "خلق اللَّه الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه" فإن الأول ظاهره طهارة القلتين تغير أم لا. والثاني: ظاهره طهارة غير المتغير سواء كان قلتين أم أقل فخص عموم كل منهما بالآخر وفي غيرها حديث: "لا يورد ممرض على مصح وفر من المجذوم فرارك من الأسد"، مع حديث: "لا عدوى" وكلها صحيحة وقد سلك الناس في الجمع مسالك. أحدها: أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها لكن اللَّه تعالى جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببًا لإعدائه مرضه وقد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب وهذا المسلك هو الذي سلكه ابن الصلاح. الثاني: أن نفي العدوى باق على عمومه والأمر بالفرار من باب سد الذرائع لئلا يتفق للذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير اللَّه تعالى ابتداءً لا بالعدوى المنفية فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسمًا للمادة وهذا المسلك هو الذي اختاره شيخ الإسلام. الثالث: أن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي العدوى فيكون معنى قوله: "لا عدوى" أي: إلا من الجذام ونحوه فكأنه قال لا يعدي شيء شيئًا إلا فيما تقدم تبييني له أنه يعدي قاله القاضي أبو بكر الباقلاني. الرابع: أن الأمر بالفرار رعاية لخاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصحيح تعظم مصيبته وتزداد حسرته ويؤيده حديث: "لا تديموا النظر إلى المجذومين" فإنه محمول على =