للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= كالمتحاربين يكون الظفر سجالًا بينهم فصح أنه ليس هاهنا قول ظاهر الغلبة ولو كان ذلك لما أشكل على أحد ولا اختلاف الناس فيه كما لم يختلفوا فيما أدركوا بحواسهم وبداية عقولهم وكما هم يختلفوا في الحساب وفي كل شيء عليه برهان لائح، واللائح الحق على مرور الزمان وكثرة البحث وطول المناظرات قالوا: ومن المحال أن يبدو الحق إلى الناس ظاهرًا فيعاندوه بلا معنى ويرضوا بالهلاك في الدنيا والآخرة بلا سبب قالوا: فلما بطل هذا أن كل طائفة تتبع أما ما نشأت عليه وأما ما يخيل لأحدهم أنه الحق دون تثبيت ولا يقين قالوا: وهذا مشاهد من كل ملة ونحلة وإن كان فيها ما لا يشك في بطلانه وسخافته.
قال أبو محمد: هذه جمل نحن نبين كل عقده منها ونوفيها حقًّا من البيان بتصحيح أو إفساد بما لا يخفى على أحد صحته، وباللَّه تعالى التوفيق: أما قولهم أن كل طائفة من أهل الديانات والآراء يناظر فينتصف وربما غلبت هذه في مجلس ثم غلبتها الأخرى في مجلس آخر على قدر قوة المناظر وقدرته على البيان والتحيل والشغب والتمويه فقول صحيح إلا أنه لا حجة لهم فيه على ما دعوه من تكافؤ الأدلة أصلًا لأن غلبة الوقت ليست حجة ولا يقنع بها عالم محقق وإن كانت له ولا يلتفت إليها وإن كانت عليه وإنما نحتج بها ويغضب منها أهل المعرفة والجهال وأهل الصياح والتهويل والتشنيع القانعون بأن يقال غلب فلان فلانًا وأن فلانًا لنظار جدال ولا يبالون بتحقيق حقيقة ولا بإبطال باطل فصح أن تغالب المتناظرين لا معنى له ولا يجب أن يعتد به لا سيما تجادل أهل زماننا الذين أما لهم نوب معدودة لا يتجاوزونها بكلمة وأما أن يغلب الصليب الرأس بكثرة الصياح والتوقح والتشنيع والجعات وأما كثير الهدر قوى على أن يملأ المجلس كلامًا لا يتحصل منه معنى، وأما الذي يعتقده أهل التحقيق الطالبون معرفة الأمور على ما هي عليه فهو أن يبحثوا فيما يطلبون معرفته على كل حجة احتج بها أهل فرقة في ذلك الباب فإذا نقضوها ولم يبقوا منها شيئًا تأملوها كل حجة حجة فميزوا الشغبي منها والإقناعي فاطرحوهما وفتشوا البرهاني على حسب المقدمات التي بيناها في كتابنا الموسوم بالتقريب في مائية البرهان وتمييزه مما يظن أنه برهان وليس ببرهان وفي كتابنا هذا وفي كتابنا الموسوم بالأحكام في أصول الأحكام فإن من سلك تلك الطريق التي ذكرنا وميز في المبدأ ما يعرف بأول التمييز والحواس ثم ميز ما هو البرهان مما ليس برهانًا ثم لم يقبل الأماكن برهانًا راجعًا رجوعًا صحيحًا ضروريًّا إلى ما أدرك بالحواس أو ببديهة التمييز وضرورة في كل مطلوب يطلبه فإن سارع الحق يلوح له واضحًا ممتازًا من كل باطل دون إشكال، والحمد للَّه رب العالمين. وأما من لم يفعل ما ذكرنا ولم يكن كده إلا نصر المسألة الحاضرة فقط أو نصر مذهب قد ألفه قبل أن يقوده إلى اعتقاده برهان فلم يجعل غرضه إلا طلب أدلة ذلك المذهب فقط فبعيد عن معرفة الحق عن الباطل ومثل هؤلاء غروا هؤلاء المخاذيل فظنوا =

<<  <  ج: ص:  >  >>