للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أن كل بحث وظنوا مجراهما هذا المجرى الذي عهدوه ممن ذكرونا فضلوا ضلالًا بعيدًا وأما قولهم فصح أنه ليس هاهنا قول ظاهر الغلبة ولو كان ذلك لما أشكل على أحد ولما اختلف الناس فيه كما لم يختلفوا فيما أدركوه بحواسهم وبداية عقولهم وكما لم يختلفوا في الحساب وفي كل ما عليه برهان لائح فقول أيضًا مموه لأنه كله دعوى فاسدة بلا دليل، وقد قلنا قبل في إبطال هذه الأقوال كلها بالبرهان بما فيه كفاية وهذا لا يمكن فيه تفصيل كل برهان على كل مطلوب لكن نقول جملة أن من عرف البرهان وميزه وطلب الحقيقة غير مائل بهوى ولا ألف ولا نفار ولا كسل فمضمون له تمييز الحق وهذا كمن سأل عن البرهان على أشكال إقليدس فإنه لا أشكال في جوابه عن جميعها بقول مجمل لكن يقال له سل عن شكل شكل تخبر ببرهانه أو كمن سأل ما النحو وأراد أن يوقف على قوانينه جملة فإن هذا لا يمكن بأكثر من أن يقال له هو بيان حركات وحروف يتوصل باختلافها إلى معرفة مراد المخاطب باللغة العربية ثم لا يمكن توقيفه على حقيقة ذلك ولا إلى إثباته جملة إلا بالأخذ معه في مسألة مسألة وهكذا في هذا المكان الذي نحن فيه لا يمكن أن نبين جميع البرهان على كل مختلف فيه بأكثر من أن يقال له سل عن مسألة مسألة نبيِّن لك برهانًا بحول اللَّه تعالى وقوته ثم تقول لمن قال من هؤلاء أن هاهنا قولًا صحيحًا واحدًا لا شك فيه أخبرنا من أين عرفت ذلك ولعل الأمر كما يقول من قال أن جميع الأقوال كلها حق فإن قال لا لأنها لو كانت حقًّا لكان محالًا ممتنعًا لأن فيها إثبات الشيء وإبطاله معًا ولو كان جميعها باطلًا لكان كذلك أيضًا سواء سواء وهو محال ممتنع لأن فيه أيضًا إثبات الشيء وإبطاله معًا وإذا ثبت إثبات الشيء بطل إبطاله بلا شك وإذا بطل إثباته ثبت إبطاله بلا شك فإذ قد بطل هذان القولان بيقين لم يبق بلا شك إلا أن فيه حقًّا بعينه وباطلًا بعينه قلنا له: صدقت وإذ الأمر كما قلت فإن هذا العقل الذي عرفت به في تلك الأقوال قولًا صحيحًا بلا شك به تميز ذلك القول الصحيح بعينه مما ليس بصحيح لأن الصحيح من الأقوال يشهد له العقل والحواس ببراهين ترده إلى العقل وإلى الحواس ردًّا صحيحًا وأما الباطل فينقطع ويقف قبل أن يبلغ إلى العقل وإلى الحواس وهذا بيِّن، والحمد للَّه رب العالمين".
والذي يظهر من كلام ابن عساكر في تبين كذب المفتري أن تكافؤ الأدلة لا يكون إلا ممن اجتمع فيه أمران، وكلاهما شر:
الأول: الابتعاد عن العلم الشرعي الصحيح.
والآخر: عدم التفكر فيما ينفع في الآخرة.
فتكافؤ الأدلة -وإن كان سبب رجوع أبي الحسن عن معتقد الاعتزال- والقول به شر الشرور؛ لأنه لا يعرف به حق من باطل، ينظر: تبيين كذب المفتري، ص ٣٩، ص ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>