للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ألا يتجاوز القصاص وغيره من الحدود إلى الاعتداء، فأما إذا وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح، على ما يأتي بيانه.
فإن قيل: فإن قوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} معناه فرض وألزم، فكيف يكون القصاص غير واجب؟ قيل له: معناه إذا أردتم، فأعلم أن القصاص هو الغاية عند التشاح. والقتلى جمع قتيل، لفظ مؤنث تأنيث الجماعة، وهو مما يدخل على الناس كرهًا، فلذلك جاء على هذا البناء كجرحى وزمنى وحمقى وصرعى وغرقى، وشبههن.
الخامسة: قوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} الآية. اختلف في تأويلها، فقالت طائفة: جاءت الآية مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه، فبينت حكم الحر إذا قتل حرًا، والعبد إذا قتل عبدًا، والأنثى إذا قتلت أنثى، ولم تتعرض لأحد النوعين إذا قتل الآخر، فالآية محكمة وفيها إجمال يبينه قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥]، وبينه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بسنته لما قتل اليهودي بالمرأة، قاله مجاهد، وذكره أبو عبيد عن ابن عباس. وروي عن ابن عباس أيضًا أنها منسوخة بآية "المائدة" وهو قول أهل العراق.
السادسة: قال الكوفيون والثوري: يقتل الحر بالعبد، والمسلم بالذمي، واحتجوا بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} فعم، وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥]، قالوا: والذمي مع المسلم متساويان في الحرمة التي تكفي في القصاص وهي حرمة الدم الثابتة على التأبيد، فإن الذمي محقون الدم على التأبيد، والمسلم كذلك، وكلاهما قد صار من أهل دار الإسلام، والذي يحقق ذلك أن المسلم يقطع بسرقة مال الذمي، وهذا يدل على أن مال الذمي قد ساوى مال المسلم، فدل على مساواته لدمه إذ المال إنما يحرم بحرمة مالكه. واتفق أبو حنيفة وأصحابه والثوري وابن أبي ليلى على أن الحر يقتل بالعبد كما يقتل العبد به، وهو قول داود، وروي ذلك عن علي وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-، وبه قال سعيد بن المسيب وقتادة وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة. والجمهور من العلماء لا يقتلون الحر بالعبد، للتنويع والتقسيم في الآية. وقال أبو ثور: لما اتفق جميعهم على أنه لا قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النفوس كانت النفوس أحرى بذلك، ومن فرق منهم بين ذلك فقد ناقض. وأيضًا فالإجماع فيمن قتل عبدًا خطأ أنه ليس عليه إلا القيمة، فكما لم يشبه الحر في الخطأ لم يشبهه في العمد. وأيضًا فإن العبد سلعة من السلع يباع ويشترى، ويتصرف فيه الحر كيف شاء، فلا مساواة بينه وبين الحر ولا مقاومة.
قلت: هذا الإجماع صحيح، وأما قوله أولًا: "ولما اتفق جميعهم -إلى قوله- فقد ناقض" فقد قال ابن أبي ليلى وداود بالقصاص بين الأحرار والعبيد في النفس وفي =

<<  <  ج: ص:  >  >>