والسجن كما في المصدر السابق (٣/ ١٣٧): "السين والجيم والنون أصل واحد، وهو الحَبْس. يقال سجنته سَجنًا. والسِّجن: المكان يُسجَن فيه الإنسان. قال اللَّه جلَّ ثناؤه في قصّة يوسف عليه السلام: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: ٣٣]. فيقرأ فتحًا على المصدر، وكسرًا على الموضع (٢٠)، وأما قولُ ابنِ مُقْبل: ضربًا تَوَاصَى به الأبطالُ سِجِّينًا فقيل إنَّهُ أراد سِجِّيلًا. أي شديدًا. وقد مضى ذِكرُهُ. وإِنَّما أبدل اللام نونًا. والوجه في هذا أنَّهُ قياس الأوَّل من السَّجن، وهو الحبس؛ لأنَّه إذا كان ضربًا شديدًا ثبت المضروب، كأنَّه قد حبسه". قال القرطبي في جامعه (٦/ ٣٥٢، وما بعدها) في تفسير آية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (١٠٦)}: "التاسعة - قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا} قال أبو علي: {تَحْبِسُونَهُمَا} صفة لـ {آخَرَانِ} واعترض بين الصفة والموصوف بقوله: {إِنْ أَنْتُمْ}. وهذه الآية أصل في حبس من وجب عليه حق؛ والحقوق على قسمين: منها ما يصلح استيفاؤه معجلًا؛ ومنها ما لا يمكن استيفاؤه إلا مؤجلًا؛ فإن خلي من عليه الحق غاب واختفى وبطل الحق وتوي فلم يكن بد من التوثق منه فإما بعوض عن الحق وهو المسمى رهنًا؛ وإما بشخص ينوب منابه في المطالبة والذمة وهو الحميل؛ وهو دون الأول؛ لأنه يجوز أن يغيب كمغيبه ويتعذر وجوده كتعذره؛ ولكن لا يمكن أكثر من هذا فإن تعذرا جميعًا لم يبق إلا التوثق بحبسه حتى تقع منه التوفية لما كان عليه من حق؛ أو تبين عسرته. العاشرة - فإن كان الحق بدنيًا لا يقبل البدل كالحدود والقصاص ولم يتفق استيفاؤه معجلًا؛ لم يكن فيه إلا التوثق بسجنه؛ ولأجل هذه الحكمة شرع السجن روى أبو =