وقال ابن القيم في الطرق الحكمية: "فصل في التهم، القسم الثاني من الدعاوى، دعاوى التهم، وهي: دعوى الجناية والأفعال المحرمة كدعوى القتل، وقطع الطريق، والسرقة، والقذف، والعدوان. فهذا ينقسم المدعى عليه فيه إلى ثلاثة أقسام، فإن المتهم إما أن يكون بريئًا ليس من أهل تلك التهمة، أو فاجرًا من أهلها، أو مجهول الحال لا يعرف الوالي والحاكم. فإن كان بريئًا لم تجز عقوبته اتفاقًا، واختلفوا في عقوبة المتهم له على قولين أصحهما: أنه يعاقب صيانة لتسلط أهل الشر والعدوان على أعراض البرآء. قال مالك وأشهب رحمهما اللَّه: لا أدب على المدعي إلا أن يقصد أذية المدعى عليه وعيبه وشتمه، فيؤدب. وقال أصبغ: يؤدب، قصد أذيته أو لم يقصد، وهل يحلف في هذه الصورة؟ فإن كان المدعى حدًا للَّه لم يحلف عليه، وإن كان حقًا لآدمي ففيه قولان، مبنيان على سماع الدعوى، فإن سمع الدعوى حلف له، وإلا لم يحلف. والصحيح: أنه لا تسمع الدعوى في هذه الصورة، ولا يحلف المتهم لئلا يتطرق الأراذل والأشرار إلى الاستهانة بأولي الفضل والأخطار، كما تقدم من أن المسلمين يرون ذلك قبيحًا. ٣٤ - (فصل) القسم الثاني: أن يكون المتهم مجهول الحال، لا يعرف ببر ولا فجور، فهذا يحبس حتى ينكشف حاله عند عامة علماء الإسلام، والمنصوص عليه عند أكثر الأئمة: أنه يحبسه القاضي والوالي، هكذا نص عليه مالك وأصحابه، وهو منصوص الإمام أحمد ومحققي أصحابه، وذكره أصحاب أبي حنيفة. وقال الإمام أحمد: قد حبس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في تهمة، قال أحمد: وذلك حتى يتبين للحاكم أمره، وقد روى أبو داود في سننه" وأحمد وغيرهما من حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: "أن النبي حبس في تهمة" وفي "جامع الخلال" عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "أن النبي حبس في تهمة يومًا وليلة". =