فتقول الأم: أليس قوله سبحانه فلأمه الثلث معناه مما ترك الولد؟ ! فيقال لها: صيغة العموم لا تؤخذ من المعنى وإنما تؤخذ من اللفظ وقد تقدم أن الدليل اللفظي أقوى من المعنوي لأنه معقول ومسموع فله مزية على المعقول غير المسموع وهذا أصل متفق عليه عند حذاق الأصوليين. وقد وفق اللَّه زيد بن ثابت وفهمه عن اللَّه وصدق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث قال وأفرضهم زيد بن ثابت، فتأمل هذا الأصل فقل من يفطن له وإنما المسألة عند الناس تقليدية لا برهانية وقد أوضحناها برهانيًا والحمد للَّه. فهذا ما في المسألة من لفظ القرآن وأما ما فيها من الحكمة وبيان السر فإن الأب بعل الأم وقد قال -عليه السلام-: "لو أمرت أحدًا بالسجود لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها" وهو قوام عليها قال اللَّه -عز وجل-: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} فكيف يكون فوقها عقلًا وشرعًا ثم يكون تحتها في الميراث ولم يكن أيضًا ليعال لها معه فيدخل عليه النقص في حظه وهو قيمها والمنفق عليها وإليها يؤول نفع حظه من الميراث. فإن قيل: قد عيل لها معه في مسألة الولد إذا اجتمع أبوان وبنتان وزوج. قلت: إن اللَّه تعالى قال هناك لكل واحد منهما السدس مما ترك ولم يقل هنا مما ترك وقد بينا هناك الحكمة التي أوجبت المساواة لها مع الأب. فإن قيل فقد قال فإن كان له إخوة فلأمه السدس ولم يقل مما ترك وهي يعال لها مع الأختين والزوج. قلنا قد قال مما ترك في سدسه مع الابن والأب والابن أحق بالميراث من الأخ فكيف يكون لها السدس من كل ما ترك مع الابن الذي هو أحق ولا يكون ذلك لها مع الأخ فلذلك استغنى الكلام عن أن يقول فيه مما ترك أعني عند ذكر الأخوة اكتفاء بما قاله عند ذكر الولد. فإن قيل: فإن الأخوة للأم لهم الثلث ولم يقل في مسألتهم مما ترك. فالجواب أن قوله يورث كلالة يقتضي العموم في جميع المال لما قدمنا في معنى ورث وإذا كان كذلك لم يحتج إلى إعاده لفظ آخر للعموم فإن الأخ للأم من جملة الكلالة وقد قال يورث كلالة أي يحاط بجميع ماله فلإخوته لأمه الثلث ولا يحتاج إلى أن يقال مما ترك لتقدم العموم في قوله يورث وقد بينا شرح هذا فيما تقدم عند قوله وورث أبواه فافهمه وباللَّه التوفيق".