للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد تجد في الرسالة أقوالًا ليست في المدونة، وربما مخالفة لها، وعلى الرغم من ذلك لم نر أحدًا من محققي المذهب من حط من شأن الرسالة، أو غمز من قناتها، إلا آخرًا، وقد جعل القرافي -وهو من هو في المذهب- الرسالة من الكتب التي يدور عليها مذهب مالك شرقًا وغربًا، فقال وهو يذكر مصادر كتابه الذخيرة (١/ ٣٦): "وقد أثرت أن أجمع بين الكتب الخمسة التي عكف عليها المالكيون شرقًا وغربًا، حتى لا يفوت أحدًا من الناس مطلب، ولا يعوزه أرب، وهي: (المدونة)، و (الجواهر)، و (التلقين)، و (الجلاب)، و (الرسالة) جمعًا مرتبًا".

وأزيدك من القصيد بيتًا، وهو إذا كان الرماصي -كما يقولون- قد اهتم بتقويم الكتب وتقييمها، وكان في ذلك عمدة، وكيف لا، وهو من دانت له أعناق أقرانه، على حد وصف صاحب أعلام الخلف، فإن الرماصي هذا هو القائل في مقدمة حاشيته على التتائي: "لما كان علم الفقه أفضل العلوم بعد كتاب اللَّه وسنة رسوله؛ إذ به تعرف الأحكام، ويتميز الحلال من الحرام، وقد صنف فيه الأئمة الأعلام دواوين لا تحصر، وأحسن ما صنف في ذلك مختصر خليل؛ إذ أقبلت عليه الطلبة شرقًا وغربًا، له شروح كثيرة، وأحسنها شرح لعلامة شمس الدين التتائي؛ لما اشتمل عليه من اختصار، وحسن العبارة، وجمعه للفوائد؛ لأنه رجل أديب، لكنه كما قيل: مات قبل أن ينقحه؛ فلذا وجد فيه التصحيف. . ".

فانظر كيف جعل شرح التتائي أحسن الشروح على الإطلاق، بقوله: (وأحسنها)، ولم يقل: (ومن أحسنها)، فهذا يناقض ما ذهبوا إليه من عدم اعتماد شرحيه، أو من عدم اعتماد الصغير، فهذه الحاشية لم يخصصها الرماصي لشرح التتائي الصغير أو الكبير، والشرح الصغير فيما رأيت لم يخرج عن الكبير في صغيرة ولا كبيرة، إلا في مسائل محدودة، ودليل ذلك خلافًا لما هو متداول عند بعضهم من أنها على الكبير، وعند بعضهم الآخر من أنها على الصغير، أن الرماصي تارةً يقول: (تت في كبيره)، إذا كان النص انفرد به الكبير، وإذا كان فيهما معًا لم يقيد قول تت بهما، وربما فعل ذلك، فقال: (تت في صغيره وكبيره)، وربما انفرد الصغير ببعض

<<  <  ج: ص:  >  >>