وقد اختلف السلف في المراد بالصلاة الوسطى، وجمع الدمياطي في ذلك جزءًا مشهورًا، سماه: (كشف المغطى عن الصلاة الوسطى)، فبلغ تسعة عشر قولًا؛ أحدها: الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو جميع الصلوات. فالأول: قول أبي إمامة وأنس وجابر وأبي العالية وعبيد بن عمير وعطاء وعكرمة ومجاهد وغيرهم، نقله ابن أبي حاتم عنهم، وهو أحد قولي ابن عمر وابن عباس، ونقله مالك والترمذي عنهما، ونقله مالك بلاغًا عن علي، والمعروف عنه خلافه، وروى ابن جرير من طريق عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي، قال: "صليت خلف ابن عباس الصبح فقنت فيها، ورفع يديه، ثم قال: هذه الصلاة الوسطى، التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين. وأخرجه أيضًا من وجه آخر عنه وعن ابن عمرو من طريق أبي العالية: صليت خلف عبد اللَّه بن قيس بالبصرة في زمن عمر صلاة الغداة، فقلت لهم: ما الصلاة الوسطى؟ قالوا: هي هذه الصلاة. وهو قول مالك والشافعي فيما نص عليه في الأم، واحتجوا له بأن فيها القنوت، وقد قال اللَّه تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، وبأنها لا تقصر فى السفر، وبأنها بين صلاتي جهر وصلاتي سر. والثاني: قول زيد بن ثابت، أخرجه أبو داود من حديثه، قال: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة، ولم تكن صلاة أشد على أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- منها، فنزلت: ({حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}. . . الآية)، وجاء عن أبي سعيد وعائشة القول بأنها الظهر، أخرجه ابن المنذر وغيره، وروى مالك في الموطأ عن زيد بن ثابت الجزم بأنها الظهر، وبه قال أبو حنيفة في رواية، وروى الطيالسي من طريق زهرة بن معبد، قال: كنا عند زيد بن ثابت، فأرسلوا إلى أسامة فسألوه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي الظهر، ورواه أحمد من وجه آخر، وزاد: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف أو الصفان، والناس في قائلتهم وفي تجارتهم، فنزلت. والثالث: قول علي بن أبي طالب، فقد روى الترمذي والنسائي من طريق زر بن حبيش، قال: قلنا لعبيدة: سل عليا عن الصلاة الوسطى، فسأله، فقال: كنا نرى أنها الصبح، حتى سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر". انتهى. وهذه الرواية تدفع دعوى من زعم أن قوله: صلاة العصر مدرج من تفسير بعض الرواة، وهي نص في أن كونها العصر من كلام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأن شبهة من قال: إنها الصبح قوية، لكن كونها العصر هو المعتمد، وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهو =