للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال شيخ الإسلام: ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانها للعارف به فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه باللغة العربية أولى.
وقيل: إنما يجوز ذلك للصحابة دون غيرهم وبه جزم ابن العربي في أحكام القرآن قال: لأنا لو جوزناه لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث والصحابة اجتمع فيهم أمران: الفصاحة والبلاغة جبلة ومشاهدة أقوال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأفعاله؛ فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة واستيفاء المقصود كله.
وقيل: يمنع ذلك في حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ويجوز في غيره حكاه ابن الصلاح ورواه البيهقي في المدخل عن مالك وروي عنه أيضًا أنه كان يتحفظ من الباء والياء والتاء في حديث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال ذلك أيضًا واستدل له بقوله: "رب مبلغ أوعى من سامع" فإذا رواه بالمعنى فقد أزال عن موضعه معرفه ما فيه.
وقال الماوردي: إن نسي اللفظ جاز؛ لأنه تحمل اللفظ والمعنى، وعجز عن أداء أحدهما، فيلزمه أداء الآخر، لا سيما أن تركه قد يكون كتمًا للأحكام، فإن لم ينسه لم يجز أن يورده بغيره؛ لأن في كلامه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الفصاحة ما ليس في غيره.
وقيل عكسه: وهو الجواز لمن يحفظ اللفظ ليتمكن من التصرف فيه دون من نسيه وقال الخطيب: يجوز بإزاء مرادف وقيل: إن كان موجبه علمًا جاز؛ لأن المعول على معناه ولا تجب مراعاة اللفظ وإن كان عملًا لم يجز.
وقال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع للرواة كثيرًا قديمًا وحديثًا وعلى الجواز الأولى إيراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه ولا شك في اشتراط أن لا يكون مما تعبد بلفظه وقد صرح به هنا الزركشي وإليه يرشد كلام العراقي الآتي في إبدال الرسول بالنبي وعكسه وعندي: أنه يشترط أن لا يكون من جوامع الكلم.
وهذا الخلاف إنما يجري في غير المصنفات ولا يجوز تغيير شيء من مصنف وإبداله بلفظ آخر وإن كان بمعناه قطعًا؛ لأن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ من الجرح وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره.
وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقيبه: أو كما قال أو نحوه أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ وقد كان قوم من الصحابة يفعلون ذلك وهم أعلم الناس بمعاني الكلام خوفًا من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر.
روى ابن ماجه وأحمد والحاكم عن ابن مسعود أنه قال يومًا: قال -صلى اللَّه عليه وسلم- فاغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه، ثم قال: أو مثله أو نحوه أو شبيه به. =

<<  <  ج: ص:  >  >>