النوع الثاني: إجماعهم على عمل من طريق الاجتهاد والاستدلال، فهذا النوع اختلف فيه أصحابنا، فذهب معظمهم إلى أنه ليس بحجة، ولا فيه ترجيح، وهذا قول كبراء البغداديين، منهم: ابن بكير، وأبو يعقوب الرازي، وأبو الحسن بن المنتاب، وأبو العباس الطيالسي، وأبو الفرج، والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبوالتمام، وأبو الحسن بن القصار. قالوا: لأنهم بعض الأمة، والحجة إنما هي لمجموعها، وهو قول المخالفين أجمع. ولهذا ذهب القاضي أبو بكر بن الخطيب وغيره، أنكر هؤلاء أن يكون مالك يقول هذا، أو أن يكون مذهبه، ولا الأئمة أصحابه، وذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة، ولكن يرجح به على اجتهاد غيرهم، وهو قول جماعة من متفقيهم، وبه قال بعض الشافعية، ولم يرتضه القاضي أبو بكر، ولا محققو أئمتنا وغيرهم، وذهب بعض المالكية إلى أن هذا النوع حجة كالنوع الأول، وحكوه عن مالك. قال القاضي أبو نصر: وعليه يدل كلام أحمد بن المعذل وأبي معصب، وإليه ذهب القاضي أبو الحسين بن أبي عمر من البغداديين، وجماعة من المغاربة من أصحابنا، ورآه مقدمًا على خبر الواحد والقياس، وأطبق المخالفون أنه مذهب مالك، ولا يصح عنه كذا مطلقًا. قال القاضي أبو الفضل رحمه اللَّه تعالى: ولا يخلو عمل أهل المدينة مع أخبار الآحاد من ثلاثة وجوه: إما أن يكون مطابقًا لها، فهذا آكد في صحتها، إن كان من طريق النقل، وترجيحه إن كان من طريق الاجتهاد بلا خلاف في هذا؛ إذ لا يعارضه هنا إلا اجتهاد آخرين وقياسهم، عند من يقدم القياس على خبر الواحد، وإن كان مطابقًا لخبر يعارضه خبر آخر كان عملهم مرجحًا لخبرهم، وهو أقوى ما ترجح به الأخبار إذا تعارضت، وإليه ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني ومن تابعه من المحققين من الأصوليين والفقهاء من المالكية وغيرهم. وإن كان مخالفًا للأخبار جملة فإن كان إجماعهم من طريق النقل ترك له الخبر بغير =