فأما إن لم يكن لهم عمل بخلافه ولا وفاق فقد سقطت المسألة ووجب الرجوع إلى خبر الواحد، كان من نقلهم أو من نقل غيرهم إذا صح ولم يعارض، فإن عارض هذا الخبر الذي نقلوه خبر آخر نقله غيرهم من أهل الآفاق كان ما نقلوه مرجحًا عند الأستاذ أبي إسحاق وغيره من المحققين؛ لزيادة قرب مشاهدتهم قرائن الأحوال، وتعددهم لنقل آثار الرسول -عليه السلام-، وإنهم الجم الغفير عن ألجم الغفير عنه. وكثر تحريف المخالف فيما نقل عن مالك من ذلك سوى ما قدمناه فحكى أبو بكر الصيرفي وأبو حامد الغزالي أن مالكًا يقول: لا يعتبر إلا بإجماع أهل المدينة دون غيره، وهذا ما لا يقوله هو ولا أحد من أصحابه، وحكى بعض الأصوليين أن مالكًا يرى إجماع الفقهاء السبعة بالمدينة إجماعًا، ووجه قوله بأنه لعله كانوا عنده أهل الاجتهاد في ذلك الوقت دون غيرهم، وهذا ما لم يقله مالك ولا روي عنه، وحكى بعضهم عنا إنا لا نقبل من الأخبار إلا ما صححه عمل أهل المدينة، وهذا جهل أو كذب، لم يفرقوا بين قولنا برد الخبر الذي في مقابله عملهم، وبين من لا يقبل منه إلا ما وافقه عملهم. فإن احتجوا علينا في هذا الفصل برد مالك حديث: "البيعان بالخيار" الذي رواه هو وأهل المدينة بأصح أسانيدهم، وقول مالك في هذا الحديث بعد ذكره له في موطئه، وليس لهذا عندنا حد محدود ولا أمر معمول به، وهذه المعارضة أعظم تهاويلهم وأشنع تشانيعهم، قالوا: هذا رد للخبر الصحيح؛ إذ لم يجد عليه عمل أهل المدينة حتى قد أنكره عليه أهل المدينة، وقال ابن أبي ذئب فيه كلامًا شديدًا معروفًا، فالجواب: أنه إنما أوتيت بسوء التأويل. فإن قول مالك هذا ليس مراده به رد البيعين بالخيار، وإنما أراد بقوله ما قال في بقية الحديث، وهذا قوله إلا بيع الخيار، فأخبر أن بيع الخيار ليس له حد عندهم، ولا يتعدى إلا قدر ما نختبر فيه السلعة، وذلك يختلف باختلاف المبيعات، فيرجع فيه إلى الاجتهاد والعوائد في البلاد وأحوال المبيع. وما يراد بهذا فسر قوله أئمتنا -رحمهم اللَّه-، وإنما ترك العمل بالحديث لغير هذا، بل تأول التفرق فيه بالقول وعقد البيع، وأن الخيار لهما ما داما متراوضين، ومتساويين، وهذا هو المعنى المفهوم من المتفاعلين وهما المتكلفان للأمر، الساعيان =