للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان محمد بن جرير (١) ربما قال له أخوه: لم لمْ تنظر لحديث كذا؟ فيقول: لم أجد الناس عليه.


= بقول أو عمل، فالجواب: إن موجب الكلام لنا في هذه المسألة مخالفة العراقيين وغيرهم لنا في مسائل طريقًا النقل والعمل المستفيض اعتمدوا فيها على أخبار آحاد واحتج أصحابنا بنقل أهل المدينة وعملهم المجمع عليه المتواتر على تلك الأخبار لما قدمناه.
فإن قالوا فقد قال اللَّه تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وهذا رد إلى غير الرسول إذ تقرر عندنا بالنقل المتواتر إن ذلك العمل هو سنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعمله وإقراره.
قال القاضي أبو الفضل رضي اللَّه تعالى عنه: فأما قول من قال من أصحابنا أن إجماعهم من طريق الاجتهاد حجة فحجته، ما لهم من فضل الصحبة والمخالطة والملابسة والمساءلة ومشاهدة الأسباب والقرائن، ولكل هذا فضل ومزية في قوة الاجتهاد، وقد قال أصحابنا ومخالفونا: إن تفسير الصحابي الراوي لأحد محتملي الخبر أولى من تفسير غيره وحجة يترك لها تفسير من خالفه لمشاهدة الرسول وسماعه ذلك الحديث منه وفهمه من حاله ومخرج ألفاظه وأسباب قضيته ما يكون له به من العلم بمراده ما ليس عند غيره فرجع تفسيره لذلك؛ فكذلك إجماع أهل المدينة بهذا السبيل واجتهادهم مقدم على غيره فمن نأت داره ولم يبلغه إلا مجرد خبر معرى من قرائنه سليب من أسباب مخارجه.
وهذا ما رجح الشافعي أحاديث شيوخ الصحابة على حديث أسامة في الدماء، قال: لأن ابن عمر وعبادة والمشيخة أعلم برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أسامة، ولهذا رجح الأصوليين والفقهاء قياس الصحابي على قياس غيره ولذلك رجح كثير منهم لعمل الصحابي بل للحديث إذا رواه على غيره من حديث لم يعمل به راويه.
وقد قال الشافعي مرة: إجماع أهل المدينة أحب إلي من القياس، وهذا قول بأن إجماعهم حجة في وجه بخلاف إجماع غيرهم الذي لا خلاف بين أحد أنه لا تأثير له في الأحكام، إلا ما حكي عن بعض الأصوليين أن إجماع أهل الحرمين والمصرين حجة كما قدمناه وما رجح به أهل الأصول في تعارض الأخبار بعمل أهل مكة والمدينة.
وهذا -أكرمكم اللَّه تعالى- منتهى الكلام في هذا الباب، ولباب العقول والألباب ومترع في المسألة من التحقيق والتدقيق يشهد له كل منصف بالصواب".
(١) هو: محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر، (٢٢٤ - ٣١٠ هـ = ٨٣٩ - ٩٢٣ م): المؤرخ المفسر الإمام، ولد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد وتوفي بها، وعرض عليه القضاء فامتنع، والمظالم فأبى، له (أخبار الرسل والملوك - ط) يعرف بتاريخ =

<<  <  ج: ص:  >  >>