فالرواية الأولى عن جده تترجح بكثرة رواتها -وهم بشر بن المفضل ومن معه-، والأخرى تترجح بأن من رواتها سفيان الثوري -وهو أحفظهم-؛ ولذلك رجحها بعضهم على الرواية الأولى، ونازع -بسبب ذلك- ابن الصلاح في ذكره الحديث مثالًا للمضطرب، ذلك لأن ابن الصلاح نفسه ذكر أنه إنما يسمى الحديث مضطربًا إذا تساوت الروايتان. فأما إذا ترجحت إحداهما على الأخرى فلا يسمى مضطربًا. قال: "وهذا قد رواه الثوري -وهو أحفظ من ذكرهم- فينبغي أن ترجح روايته على غيرها، ولا يسميه مضطربًا". وأيضًا؛ فإن الحاكم وغيره صحح الحديث المذكور، وكأن الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه كان يذهب إلى هذا؛ فقد قال في التلخيص (٤/ ١٣٢): "قلت: وأورده ابن الصلاح مثالًا للمضطرب. ونوزع في ذلك، كما بينته في النكت. . . ". وقال في "بلوغ المرام" (١/ ٢٠٤): "وصححه ابن حبان ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن"! وأجاب عن ذلك شيخه الحافظ العراقي في "شرح علوم الحديث" -بعد أن أورد اعتراض المعترض على ابن الصلاح، الذي نقلنا معنى كلامه آنفًا- فقال: "والجواب: أن الوجوه التي يرجّح بها متعارضة في هذا الحديث: فسفيان الثوري -وإن كان أحفظ من سمّاه المصنف- فإنه انفرد بقوله: عن أبي عمرو بن حريث عن أبيه. . وأكثر الرواة يقولون: عن جده -وهم بشر بن المفضل وروح بن القاسم ووهيب بن خالد وعبد الوارث بن سعيد-، وهولاء من ثقات البصريين وأئمتهم، ووافقهم على ذلك من حفاظ الكوفيين: سفيان بن عيينة. وقولهم أرجح: لوجهين: أحدهما: الكثرة. والثاني: أن إسماعيل بن أمية مكي، وابن عيينة كان مقيمًا بمكة، ومما يرجح به كون الراوي عنه من أهل بلده، وبكثرة الرواة أيضًا". قال: "فتعارضت حينئذ الوجوه القتضية للترجيح، وانضم إلى ذلك جهالة راوي الحديث -وهو شيخ إسماعيل بن أمية-، فإنه لم يرو عنه -فيما علمت- غير إسماعيل بن أمية، مع هذا الاختلاف في اسمه واسم أبيه، وهل يرويه عن أبيه، أو عن جده، أو هو نفسه عن أبي هريرة؟ وقد حكى أبو داود في "سننه" تضعيفه عن ابن عيينة، فقال: قال سفيان: لم تجد شيئًا نشد به هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوجه. وقد ضعفه أيضًا الشافعي والبيهقي. وقول من ضعفه أولى بالحق من تصحيح =