قلت: وهذا هو الحق: أن الحديث ضعيف؛ لما ذكر. وان كان في تضاعيف كلام العراقي ما لا يخلو عن اعتراض، كقوله: "إن الثوري انفرد بقوله: عن أبي عمرو بن محمد عن أبيه"! مع أنه قد تابعه معمر، وسفيان بن عيينة -في إحدى الروايتين عنه- كما نقلناه في أول البحث عن "مسند أحمد". ومن وجوه الاضطراب: ما علقه ابن حبان في ترجمة (محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص) (٧/ ٣٩٨) عن أبيه عن أبي هريرة قال. . . فذكره موقوفًا عليه. قال ابن حبان: "رواه يزيد بن هارون عن نصْرِ بن حاجب القرشي عن إسماعيل بن أمية". قلت: وهذا الوجه منكر -أو شاذ على الأقل-، والعلة من نصْرٍ؛ فإنه مختلف فيه. وقد قال النسائي فيه: "ليس بثقة". وقد يؤكد هذا أنه خالف كل الثقات الذين قالوا: عن إسماعيل عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، أو: أبي محمد بن عمرو بن حريث؛ فقال هذا: عن محمد بن عمرو بن سعيد بن العاص! ثم إنه لو سلمنا أن الحديث غير مضطرب، ورجحنا رواية الثوري -أو المخالفين-: له، فإن العلة الأخرى، وهي الجهالة -لا تزال قائمة، ولذلك نرى أن قول الحافظ - فيما سبق-: "بل هو حسن"! غير حسن؛ لا سيما وقد عارضه جماعة من المتقدمين من الأئمة كما سلف؛ وقد ذكر هو نفسه في "التهذيب" عن أحمد أنه قال: "الخط ضعيف". وقال الدارقطني: "لا يصح ولا يثبت". وقال الشافعي في "سنن حرملة": "ولا يخط المصلي بين يديه خطًا؛ إلا أن يكون ذلك في حديث ثابت فيُتّبع". اهـ. وقال مالك: "الخط باطل". كذا في "المدونة" (١/ ١١٣). قلت: وفي قول الشافعي هذا رد على النووي؛ حيث قال في المجموع (٣/ ٢٤٨): "والمختار استحباب الخط؛ لأنه وإن لم يثبت الحديث؛ ففيه تحصيل حريم للمصلي، وقد قدمنا اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال -دون الحلال والحرام-، وهذا من نحو فضائل الأعمال"! ! قلت: وفيما قاله نظر من وجهين: الأول: استحبابه الخط، مع اعترافه بضعف الحديث! وهذا أمر غريب؛ فإن الاستحباب حكم شرعي، لا بد له من دليل تقوم به الحجة، والحديث الضعيف لا يثبت به، أي: حكم شرعي. فلا جرم أن ذهب إمامه إلى عدم مشروعية الخط إلا أن يثبت الحديث. فلو أنه تبع إمامه في ذلك؛ لكان أصاب الحق. =