للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= اقول هذا؛ مع العلم أن ما ذهب إليه النووي كان مذهب الشافعي في القديم، ثم رجع عنه في الجديد إلى ما نقلناه عنه آنفًا، وذلك حين ظهر له ضعف الحديث، كما أشار إلى ذلك البيهقي.
والوجه الآخر: نفقه اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف! وهذا غير صحيح؛ فإن المسألة مختلف فيها على ثلاثة أقوال، ذكرها الشيخ القاسمي في "قواعد التحديث" (ص ٩٤) أولاها -وهي عندي أوْلاها-: أنه لا يعمل به مطلقًا، لا في الأحكام ولا في الفضائل، حكاه ابن سيد الناس في "عيون الأثر" عن يحيى بن معين، ونسبه في "فتح المغيث" لأبي بكر بن العربي.
وهو مذهب ابن حزم، كما صرح به في كتبه، منها: "الإحكام في أصول الأحكام" (١/ ١٣٦).
وكيف يجوز العمل به، وقد اتفقوا جميعًا على أن الحديث الضعيف لا يفيد إلا الظن -والظن المرجوح- وهو أكذب الحديث بشهادة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ ! وقد نعى اللَّه تعالى على قوم قبلنا عملهم بالظن، فقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}، وقال تعالى: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}؛ ولذلك نهى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته عن رواية الحديث عنه إلا بعد العلم بصحته؛ فقال: "اتقوا الحديث عنِّي إلا ما علمتم"، أفيجيز لهم العمل به قبل أن يعرفوا صحته، وقد نهاهم عن روايته؟ ! اللهم! لا، وهذا بين لا يخفى، وقد مضى تفصيل القول في ذلك في المقدمة، على أن حديث الباب ليس من الفضائل، بل هو في الأحكام؛ لأن فيه الأمر بالخط، وهو يفيد الوجوب عند عدم القرينة، ولا قرينة هنا، وكأن النووي رحمه اللَّه لاحظ ما ذكرنا، فاحتاط في عبارته، فقال -كما تقدم-: "وهذا من نحو فضائل الأعمال"!
هذا؛ وقال النووي (٣/ ٢٤٦) -بعد أن عزا الحديث للمصنف وابن ماجه-: "قال البغوي وغيره: هو حديث ضعيف، وروى أبو داود في "سننه" عن سفيان بن عيينة تضعيفه، وأشار إلى تضعيفه الشافعي والبيهقي وغيرهما".
قلت: وأما ما نقله ابن التركماني وغيره عن ابن عبد البر، أنه قال في الاستذكار: "كان ابن حنبل وابن المديني يصححان هذا الحديث"! فلا أدري مقداره من الصحة والثبوت، ولا سيما وقد نقل الحافظ عن الخلال عن أحمد تضعيفه -كما سبق-.
فإن صح ما في "الاستذكار"، فيكون لأحمد فيه قولان، والصحيح منهما: ما سبق، لما نقلناه عن الحافظ العراقي. وقد نقل هو عن بعضهم أن الحاكم صححه أيضًا، ولعل ذلك في غير كتابه "المستدرك"؛ فإني لم أجد الحديث فيه! واللَّه أعلم.
ومما سبق من التحقيق؛ تعلم أن قول صاحب "التاج" (١/ ١٧٦) -في الحديث-:
"رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح"! غير صحيح أيضًا؛ وإنما جاءه ذلك من تقليده =

<<  <  ج: ص:  >  >>