ومن تأمل هذا التقرير؛ عرف أن ما أجاب به هذا الرجل لا يطرد، ولا يجري في الواقع مجرى الاستقامة للزوم الحرج في وقوعه؛ فلا يصح أن يستند إليه، ولا يجعل أصلًا يبنى عليه. والأمثلة كثيرة؛ فاحتفظ بهذا الأصل؛ فهو مفيد جدًا، وعليه ينبني كثير من مسائل الورع، وتمييز المتشابهات، وما يعتبر من وجوه الاشتباه وما لا يعتبر، وفي أثناء الكتاب مسائل تحققه إن شاء اللَّه". واعلم أن ليس كل خلاف بين المذاهب المعتبرة وأقوال العلماء الثقات المنتشرة ينبغي أن يعتبر، وذلك لما قال الشاطبي (٥/ ٢١٠، وما بعدها): "المسألة الثانية عشرة: من الخلاف ما لا يعتد به في الخلاف، وهو ضربان: أحدهما: ما كان من الأقوال خطأ مخالفًا لمقطوع به في الشريعة، وقد تقدم التنبيه عليه. والثاني: ما كان ظاهره الخلاف وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما يقع ذلك في تفسير الكتاب والسنة، فتجد المفسرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ الكتاب أقوالًا مختلفة في الظاهر، فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى على العبارة كالمعنى الواحد، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل، فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه، وهكذا يتفق في شرح السنة، وكذلك في فتاوي الأئمة وكلامهم في مسائل العلم، وهذا الموضع مما يجب تحقيقه، فإن نقل الخلاف في مسألة لا خلاف فيها في الحقيقة خطأ، كما أن نقل الوفاق في موضع الخلاف لا يصح. فإذا ثبت هذا، فلنقل الخلاف هنا أسباب: أحدها: أن يذكر في التفسير عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك شيء أو عن أحد من أصحابه أو غيرهم، ويكون ذلك المنقول بعض ما يشمله اللفظ، ثم يذكر غير ذلك القائل أشياء أخر مما يشمله اللفظ أيضًا، فينصهما المفسرون على نصهما، فيظن أنه خلاف، كما نقلوا في المن أنه خبز رقاق. وقيل: زنجبيل. وقيل: الترنجبين. وقيل: شراب مزجوه بالماء. فهذا كله يشمله اللفظ؛ لأن اللَّه من به عليهم، ولذلك جاء في الحديث: "الكمأة من =