للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= قال القاضي عبد الوهاب في مسألة "الوتر أواجب هو؟ ": "إن أرادوا به أن تركه حرام يجرح فاعله به، فالخلاف بيننا وبينهم في معنى يصح أن تتناوله الأدلة، وإن لم يريدوا ذلك، وقالوا: لا يحرم تركه ولا يجرح فاعله، فوصفه بأنه واجب خلاف في عبارة لا يصح الاحتجاج عليه".
وما قاله حق، فإن العبارات لا مشاحة فيها، ولا ينبني على الخلاف فيها حكم، فلا اعتبار بالخلاف فيها.
هذه عشرة أسباب لعدم الاعتداد بالخلاف، يجب أن تكون على بال من المجتهد، ليقيس عليها ما سواها، فلا يتساهل فيؤدي ذلك إلى مخالفة الإجماع.
فصل:
وقد يقال: إن ما يعتد به من الخلاف في ظاهر الأمر يرجع في الحقيقة إلى الوفاق أيضًا.
وبيان ذلك أن الشريعة راجعة إلى قول واحد كما تبين قبل هذا، والاختلاف في مسائلها راجع إلى دورانها بين طرفين واضحين أيضًا يتعارضان في أنظار المجتهدين، وإلى خفاء بعض الأدلة وعدم الاطلاع عليه.
أما هذا الثاني، فليس في الحقيقة خلافًا؛ إذ لو فرضنا اطلاع المجتهد على ما خفي عليه لرجع عن قوله، فلذلك ينقض لأجله قضاء القاضي.
أما الأول، فالتردد بين الطرفين تحر لقصد الشارع المستبهم بينهما من كل واحد من المجتهدين، واتباع للدليل المرشد إلى تعرف قصده، وقد توافقوا في هذين القصدين توافقًا لو ظهر معه لكل واحد منهم خلاف ما رآه لرجع إليه، ولوافق صاحبه فيه، فقد صار هذا القسم في المعنى راجعًا إلى القسم الثاني، فليس الاختلاف في الحقيقة إلا في الطريق المؤدي إلى مقصود الشارع الذي هو واحد، إلا أنه لا يمكن رجوع المجتهد عما أداه إليه اجتهاده بغير بيان اتفاقًا، وسواء علينا أقلنا بالتخطئة أم قلنا بالتصويب، إذا لا يصح للمجتهد أن يعمل على قول غيره وإن كان مصيبًا أيضًا، كما لا يجوز له ذلك إن كان عنده مخطئًا، فالإصابة على قول المصوبة إضافية، فرجع القولان إلى قول واحد بهذا الاعتبار، فإذا كان كذلك، فهم في الحقيقة متفقون لا مختلفون.
ومن هنا يظهر وجه الموالاة والتحاب والتعاطف فيما بين المختلفين في مسائل الاجتهاد، حتى لم يصيروا شيعًا ولا تفرقوا فرقًا؛ لأنهم مجتمعون على طلب قصد الشارع، فاختلاف الطرق غير مؤثر، كما لا اختلاف بين المتعبدين للَّه بالعبادات المختلفة، كرجل تقربه الصلاة، وآخر تقربه الصيام، وآخر تقربه الصدقة إلى غير ذلك من العبادات، فهم متفقون في أصل التوجه للَّه المعبود وإن اختلفوا في أصناف =

<<  <  ج: ص:  >  >>