للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وكرجوع الأنصار إلى المهاجرين في مسألة الغسل من التقاء الختانين، فلا ينبغي أن يحكى مثل هذا في مسائل الخلاف.
والسادس: أن يقع الاختلاف في العمل لا في الحكم، كاختلاف القراء في وجوه القراءات، فإنهم لم يقرؤوا به على إنكار غيره، بل على إجازته والإقرار بصحته، وإنما وقع الخلاف بينهم في الاختيارات، وليس في الحقيقة باختلاف، فإن المرويات على الصحة منها لا يختلفون فيها.
والسابع: أن يقع تفسير الآية أو الحديث من المفسر الواحد على أوجه من الاحتمالات، ويبني على كل احتمال ما يليق به من غير أن يذكر خلافًا في الترجيح، بل على توسيع المعاني خاصة، فهذا ليس بمستقر خلاف؛ إذ الخلاف مبني على التزام كل قائل احتمالًا يعضده بدليل يرجحه على غيره من الاحتمالات حتى يبني عليه دون غيره، وليس الكلام في مثل هذا.
والثامن: أن يقع الخلاف في تنزيل المعنى الواحد، فيحمله قوم على المجاز مثلًا وقوم على الحقيقة، والمطلوب أمر واحد، كما يقع لأرباب التفسير كثيرًا في نحو قوله: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: ٣١]، فمنهم من يحمل الحيات والموت على حقائقهما، ومنهم من يحملهما على المجاز، ولا فرق في تحصيل المعنى بينهما، ونظير هذا قول ذي الرمة:
وظاهر لها من يابس الشخت
وبائس الشخت وقد مر بيانه، وقول ذي الرمة فيه: إن "بائس" و"يابس" واحد، ومثل ذلك قوله: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم: ٢٠]، فقيل: كالنهار بيضاء لا شيء فيها، وقيل: كالليل سوداء لا شيء فيها، فالمقصود شيء واحد وإن شبه بالمتضادين اللذين لا يتلاقيان.
والتاسع: أن يقع الخلاف في التأويل وصرف الظاهر عن مقتضاه إلى ما دل عليه الدليل الخارجي، فإن مقصود كل متأول الصرف عن ظاهر اللفظ إلى وجه يتلاقى مع الدليل الموجب للتأويل، وجميع التأويلات في ذلك سواء، فلا خلاف في المعنى المراد، وكثيرًا ما يقع هذا في الظواهر الموهمة للتشبيه، وتقع في غيرها كثيرًا أيضًا، كتأويلاتهم في حديث خيار المجلس بناء على رأي مالك فيه، وأشباه ذلك.
والعاشر: الخلاف في مجرد التعبير عن المعنى المقصود وهو متحد كما اختلفوا في الخبر: هل هو منقسم إلى صدق وكذب خاصة، أم ثم قسم ثالث ليس بصدق ولا كذب؟
فهذا خلاف في عبارة، والمعنى متفق عليه، وكذلك الفرض والواجب يتعلق النظر فيهما مع الحنفية بناءً على مرادهم فيهما. =

<<  <  ج: ص:  >  >>