وقد ذكرنا في التمهيد وجوه الروايات عن مالك وأصحابه في هذا الباب. وروى ابن وضاح عن الحارث بن مسكين قال: أصحاب مالك كلهم على خلاف ما رواه ابن القاسم عن مالك في مسألة ذي اليدين ولم يقل بقوله إلا ابن القاسم وحده وغيره يأبونه ويقولون: إنما كان ذلك في أول الإسلام وأما الآن فقد عرف الناس الصلاة فمن تكلم فيها أعادها. وأما الشافعي فقال في حديث ذي اليدين: لا يشك مسلم أن النبي -عليه السلام- لم ينصرف إلا وهو يرى أنه قد أكمل الصلاة وظن ذو اليدين أن الصلاة قد قصرت بحادث من اللَّه ولم يقبل رسول اللَّه من ذي اليدين إذ سأل غيره، ولما سأل غيره احتمل أن يكون سأل من لم يسمع كلام ذي اليدين فيكون في معنى ذي اليدين، واحتمل أن يكون سأل من سمع كلامه ولم يسمع النبي -عليه السلام- رده عليه كان في معنى ذي اليدين من أنه لم يدر أقصرت الصلاة أم نسي، فأجابه ومعناه معنى ذي اليدين مع أن الفرض عليهم جوابه؛ إلا ترى أن النبي -عليه السلام- لما أخبروه فقبل قولهم، لم يتكلم ولم يتكلموا حتى بنوا على صلاتهم قال: فلما قبض رسول اللَّه -عليه السلام- تناهت الفرائض فلا يزاد فيها ولا ينقص منها أبدًا. قال: فهذا فرق ما بيننا وبينه إذا كان أحدنا إمامًا اليوم. قال أبو عمر: أما قول الشافعي مع أن الفرض عليهم جوابه فموجود في حديث أبي سعيد بن المعلى قال: كنت أصلي فناداني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم أجبه حتى قضيت صلاتي فأتيته فقال: "ما منعك أن تجيبني" قلت: كنت أصلي، قال: ألم يقل اللَّه {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} وهو حديث يرويه شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص عن عاصم عن أبي سعيد بن المعلى وهو محفوظ من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة لأبي بن كعب. وقد تقدم فيما مضى من هذا الكتاب وفيه أن مجاوبة النبي -عليه السلام- واجبة على العموم في الصلاة وغيرها. وفي ذلك دليل على أن ذا اليدين وأصحابه مخصوصون بذلك ما كان -عليه السلام- حيًا فيهم، وقد يحتمل أن تكون إجابته في الصلاة إشارة كما كان -عليه السلام- يضع في الصلاة وهو في مسجد قباء بالأنصار إذ دخلوا فسلموا عليه وهو يصلي فكان يشير. قال أبو عمر: الخلاف بين مالك والشافعي في هذه المسألة إنما هو أن مالكًا يقول في رواية ابن القاسم عنه: لا يفسد الصلاة تعمد الكلام فيها إذا كان ذلك في صلاحها =