وقال الشافعي وأصحابه وسائر أصحاب مالك: إن المصلي إذا تعمد الكلام وهو في الصلاة عالمًا أنه لم يتمها فقد أفسد صلاته فإن تكلم ساهيًا أو تكلم وهو يظن أنه قد أكمل صلاته وأنه ليس في صلاة عند نفسه فهذا يبني ولا يفسد عليه كلامه ذلك صلاته. وقال أحمد بن حنبل فيما حكى عنه أبو بكر الأثرم ما تكلم به الإنسان في صلاته لإصلاحها: لا يفسد عليه صلاته وإن تكلم لغير ذلك فسدت عليه صلاته. وقال في موضع آخر: سمعت أحمد بن حنبل يقول في قصة ذي اليدين: إنما تكلم ذو اليدين وهو يرى أن الصلاة قد قصرت وتكلم النبي -عليه السلام- وهو دافع لقول ذي اليدين وكلم القوم فأجابوه لأنه كان عليهم أن يجيبوه. قال أبو عمر: وهذا نحو ما قاله الشافعي في ذلك. وذكر الخرقي أن مذهب أحمد بن حنبل الذي تحصل عليه - قوله فيمن تكلم عامدًا أو ساهيًا في صلاته بطلت صلاته إلا الإمام خاصة؛ فإنه إذا تكلم ليصلح صلاته لم تبطل صلاته. وقد ذكرنا مذهب الأوزاعي فيما مضى وقال الأوزاعي أيضًا: لو أن رجلًا قال لإمام جهر بالقراءة في العصر إنها العصر لم يكن عليه شيء، قال أبو عمر: لو كان هذا ما احتاج أحد إلى التسبيح في الصلاة وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من نابه شيء في صلاته فليسبح". وقال -عليه السلام-: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح وتلاوة القرآن". وكلام الأوزاعي في هذا الباب عند الفقهاء وهم وخطأ ليس بصواب. وقد أجمع العلماء على أن السلام في الصلاة قبل تمامها عمدًا يفسدها؛ فالكلام بذلك أحرى، واللَّه أعلم. وأما الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري فذهبوا إلى أن الكلام في الصلاة على كل حال سهوًا كان أو عمدًا لصلاح كان أو لغير ذلك يفسد الصلاة، واختلف أصحاب أبي حنيفة في السلام فيها ساهيًا قبل تمامها: فبعضهم أفسد صلاة المسلم فيها ساهيًا وجعله كالمتكلم عامدًا. وبعضهم لم يفسدها بالسلام ساهيًا. وكلهم يفسدها بالكلام عامدًا وهو قول إبراهيم النخعي وعطاء والحسن وحماد بن أبي سليمان وقتادة. وزعم أصحاب أبي حنيفة أن حديث ذي اليدين منسوخ بحديث زيد بن أرقم وابن =