للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= أن يصلوا فيه جماعة فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم، وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرقة الكلمة وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام الجماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة؛ فإذا قضيت دخلوا فجمعوا فيكون بهذا اختلاف وتفرق الكلمة وفيهما المكروه وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن فأما مسجد بني على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام راتب ويصلي فيه المارة ويستظلون فلا أكره ذلك؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إمامًا غيره قال: وإنما منعني أن أقول: صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على جماعة بحال تفضيل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- صلاة الجماعة على صلاة المنفرد ولم يقل: لا تجزي المنفرد صلاته وأنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالًا معه الصلاة فصلوا بعلمه منفردين وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قومًا فجاؤوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردًا وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد فصلى كل واحد منهم منفردًا وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين".
وما علقه الشافعي عن الصحابة قد جاء موصولًا عن الحسن البصري قال: "كان أصحاب محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا دخلوا المسجد وقد صلي فيه صلوا فرادى"، رواه ابن أبي شيبة (٢/ ٢٢٣).
وقال أبو حنيفة: "لا يجوز إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب".
ونحوه في "المدونة" عن الإمام مالك، وبالجملة فالجمهور على كراهة إعادة الجماعة في المسجد بالشرط السابق، وهو الحق، ولا يعارض هذا الحديث المشهور: "إلا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"، وسيأتي في الكتاب (ص ٢٧٧)؛ فإن غاية ما فيه حض الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- أحد الذين كانوا صلوا معه -صلى اللَّه عليه وسلم- في الجماعة الأولى أن يصلي وراءه تطوعًا، فهي صلاة متنفل وراء مفترض، وبحثنا إنما هو في صلاة مفترض وراء المفترض، فاتتهم الجماعة الأولى، ولا يجوز قياس هذه على تلك؛ لأنه قياس مع الفارق من وجوه:
الأول: أن الصورة الأولى المختلف فيها لم تنقل عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لا إذنًا ولا تقريرًا مع وجود المقتضى في عهده -صلى اللَّه عليه وسلم- كما أفادته رواية الحسن البصري.
الثاني: أن هذه الصورة تؤدي إلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة؛ لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يستعجلون فتكسر الجماعة وإذا علموا أنها لا تفوتهم يتأخرون فتقل الجماعة وتقليل الجماعة مكروه وليس شيء من هذا المحذور في الصورة التي أقرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فثبت الفرق فلا يجوز الاستدلال بالحديث على =

<<  <  ج: ص:  >  >>