القول الثاني: أنهم لا يدخلونها بل يكونون في ربضها يراهم الإنس من حيث لا يرونهم، وهذا القول مأثور عن مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد حكاه ابن تيمية في جواب ابن مري وهو خلاف ما حكاه ابن حزم عن أبي يوسف، وقال أبو الشيخ: حدثنا الوليد بن الحسن بن أحمد بن الليث حدثنا إسماعيل بن مهرام حدثنا المطلب بن زياد أظنه قال: عن ليث بن أبي سليم قال: مسلمو الجن لا يدخلون الجنة ولا النار، وذلك أن اللَّه تعالى أخرج أباهم من الجنة فلا يعيده ولا يعيد بنيه. القول الثالث: أنهم على الأعراف، وفيه حديث مسند سيأتي ذكره إن شاء اللَّه تعالى. القول الرابع: الوقف. واحتج أهل القول الأول بوجوه: أحدها: العمومات كقوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١)}، وقوله تعالى: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من شهد أن لا إله إلا اللَّه خالصًا دخل الجنة" فكما أنهم يخاطبون بعمومات الوعيد بالإجماع فكذلك يكونون مخاطبين بعمومات الوعد بطريق الأولى، ومن أظهر حجة في ذلك قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧)} إلى آخر السورة، والخطاب للجن والإنس فامتن عليهم سبحانه بجزاء الجنة ووصفها لهم وشوقهم إليها فدل ذلك على أنهم ينالون ما امتن عليهم به إذا آمنوا وقد جاء في حديث أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لأصحابه لما تلا عليهم هذه السورة: "الجن كانوا أحسن ردًا وجوابًا منكم ما تلوت عليهم من آية إلا قالوا ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب" رواه الترمذي. الوجه الثاني: ما استدل به ابن حزم من قوله: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وبقوله تعالى: حاكيا عنهم ومصدقًا لمن قال ذلك منهم: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} وقوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} إلى آخر السورة. قال: صفة تعم الجن والإنس عمومًا لا يجوز البتة أن يخص منها أحد النوعين ومن المحال الممتنع أن يكون اللَّه تعالى يخبرنا بخبر عام وهو لا يريد إلا بعض ما أخبرنا به ثم لا يبين ذلك وهو ضد البيان الذي ضمنه اللَّه تعالى لنا فكيف وقد نص على أنهم من جملة المؤمنين الذين يدخلون الجنة ولا بد. الوجه الثالث: روى منذر وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن مبشر بن إسماعيل قال: تذاكرنا عند ضمرة بن حبيب أيدخل الجن الجنة؛ قال: نعم وتصديق ذلك في كتاب اللَّه تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} للجنيات والإنس للإنسيات. =