فإن احتجوا بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم"، فأخبر أن الإيمان لم يدخل قلوبهم وكذلك قوله: "يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يعودون إليه حتى يعود السهم على فوقه"، وبقوله: "سبق الفرث والدم" يدل على أنه لم يتعلق من الإسلام بشيء، أجابه الآخرون: أن معنى لا يجاوز حناجرهم لا يفهمون معانيه بقلوبهم ولا تنشرح له صدورهم ولا تعمل به جوارحهم، وعارضوهم بقوله: ويتمارى في الفوق وهذا يقتضي التشكك في حاله وإن احتجوا بقول أبي سعيد الخدري في هذا الحديث. سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "يخرج في هذه الأمة" ولم يقل (من هذه) وتحرير أبي سعيد الرواية وإتقانه اللفظ، أجابهم الآخرون: بأن العبارة بفي لا تقتضي تصريحًا بكونهم من غير الأمة بخلاف لفظة من - التي هي للتبعيض وكونهم من الأمة مع أنه قد روي عن أبي ذر وعلي وأبي أمامة وغيرهم في هذا الحديث: "يخرج من أمتي، وسيكون من أمتي"، وحروف المعاني مشتركة فلا تعويل على إخراجهم من الأمة، ولا على إدخالهم فيها بمن، لكن أبا سعيد -رضي اللَّه عنه- أجاد ما شاء في التنبيه الذي نبه عليه، وهذا مما يدل على سعة فقه المحابة وتحقيقهم للمعاني واستنباطها من الألفاظ وتحريرهم لها وتوقيهم في الرواية، هذه المذاهب المعروفة لأهل السنة ولغيرهم من الفرق فيها منالات كثيرة مضطربة سخيفة أقربها قول جهم ومحمد بن شبيب: إن الكفر باللَّه الجهل به لا يكفر أحد بغير ذلك، وقال أبو الهذيل: إن كل متأول كان تأوليه تشبيهًا للَّه بخلقه وتجويرًا له في فعله وتكذيبًا لخبره فهو كافر، وكل من أثبت شيئًا قديمًا لا يقال له اللَّه فهو كافر، وقال بعض المتكلمين: إن كان ممن عرف الأصل وبنى عليه وكان فيما هو من أوصاف اللَّه فهو كافر وإن لم يكن من هذا الباب ففاسق إلا أن يكون ممن لم يعرف الأصل فهو مخطىء غير كافر وذهب عبيد اللَّه بن الحسن العنبري إلى تصويب أقوال المجتهدين في أصول الدين فيما كان عرضة للتأويل وفارق في ذلك فرق الأمة إذ أجمعوا سواه على أن الحق في أصول الدين في واحد والمخطىء فيه آثم عاص فاسق وإنما الخلاف في تكفيره، وقد حكى القاضي أبو بكر الباقلاني مثل قول عبيد اللَّه عن داود الأصبهاني وقال وحكى قوم عنهما أنهما قالا ذلك في كل من علم اللَّه سبحانه من حاله استفراغ الوسع في طلب الحق من أهل =