وقد أشار تعالى إلى هذا الذي ذكرنا، حيث قال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ}، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)}، فذكر الاستواء باسمه الرحمن ليعم جميع خلقه برحمته، قاله ابن كثير، ومثله قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ}، أي: ومن رحمانيته: لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافات وقابضات في جو السماء. ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢)} إلى قوله: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٨)}، وقال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}، فخصهم باسمه الرحيم. فإن قيل: كيف يمكن الجمع بين ما قررتم وبين ما جاء في الدعاء المأثور من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما". فالظاهر في الجواب واللَّه أعلم: أن الرحيم خاص بالمؤمنين، كما ذكرنا، لكنه لا يختص بهم في الآخرة، بل يشمل رحمتهم في الدنيا أيضًا، فيكون معنى "رحيمهما": رحمته بالمؤمنين فيهما. والدليل على أنه رحيم بالمؤمنين في الدنيا أيضًا: أن ذلك هو ظاهر قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣)}؛ لأن صلاته عليهم وصلاة ملائكته وإخراجه إياهم من الظلمات إلى النور رحمة بهم في الدنيا، وإن كانت سبب الرحمة في الآخرة أيضًا، وكذلك قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧)}، فإنه جاء فيه بالباء المتعلقة بالرحيم الجارة للضمير الواقع على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- والمهاجرين والأنصار، وتوبته عليهم رحمة في الدنيا، وإن كانت سبب رحمة الآخرة أيضًا، والعلم عند اللَّه تعالى". وما أجاب به غير مسلم، وقال الآلوسي (١/ ٦٢): "وأما سابعًا فلأن قولهم فعلى الأول قيل: يا رحمن الدنيا؛ لأنه يعم المؤمن والكافر ورحيم الآخرة؛ لأنه يخص المؤمن، إن أرادوا به أن أبلغية الرحمن ههنا باعتبار كثرة أفراد الرحمة في الدنيا لوجودها في المؤمن والكافر، فلا يستقيم عليه ورحيم الآخرة؛ إذ النعم الأخروية غير =