وقال (٢/ ٢٣): "اعلم أن من انكشف له شيء ولو الشيء اليسير بطريق الإلهام والوقوع في القلب من حيث لا يدري فقد صار عارفا بصحة الطريق، ومن لم يدرك ذلك من نفسه قط فينبغي أن يؤمن به؛ فإن درجة المعرفة فيه عزيزة جدًا، ويشهد لذلك شواهد الشرع والتجارب والحكايات، أما الشواهد فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهو بطريق الكشف والإلهام". قلت: ومن الشواهد أيضًا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اتقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور اللَّه"، وقد تكلم ابن القيم عن ذلك في مدارج السالكين كلامًا قريبًا من كلام الغزالي، فلينظر فيه (١/ ٤٤ - وما بعدها). (١) أي: عبد اللَّه المنوفي، ولا يعرف من اسمه إلا هذا القدر، وقد ترجم له ابن حجر في الدرر الكامنة (٣/ ٩٧ - ٩٩)، فقال: "عبد اللَّه المغربي الأصل، ثم المصري، المشهور بالمنوفي، ولد ببعض قرى مصر، وتلمذ للشيخ سليمان التنوخي الشاذلي، وخدمه وهو ابن تسع، فعلمه القرآن، وانتفع به، وأخذ عن الشيخ ركن الدين بن القوبع، وشمس الدين التونسي: والد القاضي ناصر الدين، وشرف الدين الزواوي، وشهاب الدين المرحل، وجلال الدين إمام الفاضلية المعبر، ومجد الدين الأقفهسي، وذكر أنه كان من الصلحاء، وغيرهم، وانقطع بالمدرسة الصالحية، فكان لا يخرج إلا إلى صلاة الجماعة، أو الجمعة، ثم أقام في تربة كانت أخته ساكنة بها، وتقلل من متاع الدنيا، وامتنع من الاجتماع بالسلطان، وعين لكثير من المناصب فلم يجب، واشتهر بالديانة والصلاح والعبادة والزهادة، وحكيت عنه الكرامات الكثيرة. قال الشيخ خليل في ترجمته: كان يتكلم في المعارف كلام من هو قطب رحاها، وشمس ضحاها، وكان يتكلم على رسالة القشيري وتفسير الواحدي والشفاء للقاضي عياض، وكان يشغل في العربية والأصول، ولكن في الفقه أكثر، وقد شهد له معاصروه بأنه كان أحسن الناس إلقاء للتفسير، وكان يصوم الدهر، لكنه يفطر إذا دعي إلى وليمة، ويتعبد ويشغل عامة نهاره وأكثر ليله. قال: وحل ابنَ الحاجب مرارًا قبل أن يظهر له شرح، وكان يفتح عليه فيه بما لم يفتح لغيره. =