والآخر: أن المتون هي المجردة من الأدلة، لا مسائل المذهب، وهذا الذي نظنه، وإذا كان ذلك كذلك فلا يضر مريد المذهب أن لا يعرف الدليل ما دام له مقلدًا، قال في نظم المعتمد:
وكلُّ مَنْ بلا أصولٍ قاري ... ينالُه الجهلُ بلا قَرارِ
ولو حوى في ذهْنِهِ الأسْفارا ... وجاوَزَ الأمصارَ والأقطارا
فلا يجوزُ مطلقًا أنْ يجتهد ... في الدِّين أو يفتي بغير ما وُجِدْ
مِنْ قولِ شيخٍ ذي اجتهادٍ عارفِ ... وكلُّ ذا مِنْ مِنَنِ اللَّطائفِ
وقال الشوكاني في القول المفيد، ص ٣٦:"وشأن المقلد أن لا يبحث عن دليل، بل يقبل الرأي ويترك الرواية، ومن لم يكن هكذا فليس بمقلد".
فالمقلد يسلم بدليل المستدل، وإن لم يعلم وجه الاستدلال، وذلك يكون جائزًا لا حرج معه إذا كان المقلد ليس أهلًا للبحث عن وجه الاستدلال ومعرفة كيف انتزع الحكم.
قال الفلاني في إيقاظ الهمم، ص ٧٧:"وجه الإمامة يخص اللَّه تعالى بها بعض الناس، لا كل الناس؛ فليعرف لكل ذي فضل فضله وكل ذي رتبة رتبته، ولا يجوز التقليد والأخذ به إلا للجاهل؛ لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، فأوجب اللَّه تعالى على كل من لا يعلم بأن يسأل أهل العلم، ومفهوم الأمر وجوب اتباع أهل العلم، وكذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)}، مفهومه وجوب اتباع المنذرين، وأخذ الحذر مما يحذرونهم منه، وجعل المنذرين منعوتين بنعت الفقه؛ إذ لم يبلغ هذا المقلد قول مالك الذي قاله: لا يفتي العالم حتى يراه الناس أهلًا للفتوى. قال سحنون: يعني بالناس العلماء. فأثبت له العلم، ثم منعه من الفتيا حتى يستظهر على أمره برأي العلماء".
وأما ثاني المؤاخذات فقوله: (وهذه المتون كُتِبت باختصار شديد