إحداها: العمل بما علم؛ حتى يكون قوله مطابقا لفعله، فإن كان مخالفًا له فليس بأهل لأن يؤخذ عنه، ولا أن يقتدى به في علم. . . والثانية: أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم؛ لأخذه عنهم، وملازمته لهم؛ فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك، وهكذا كان شأن السلف الصالح، فأول ذلك ملازمة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأخذهم بأقواله وأفعاله، واعتمادهم على ما يرد منه، كائنا ما كان، وعلى أي وجه صدر؛ فهم فهموا مغزى ما أراد به أولا حتى علموا وتيقنوا أنه الحق الذي لا يُعارض، والحكمة التي لا ينكسر قانونها، ولا يحوم النقص حول حمى كمالها، وإنما ذلك بكثرة الملازمة، وشدة المثابرة، وتأمل قصة عمر بن الخطاب في صلح الحديبية؛ حيث قال: يا رسول اللَّه! ألسنا على حق، وهم على باطل؟ قال: "بلى". قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى". قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم اللَّه بيننا وبينهم؟ قال: "يابن الخطاب! إني رسول اللَّه، ولن يضيعني اللَّه أبدا". فانطلق عمر ولم يصبر، متغيظا، فأتى أبا بكر؛ فقال له مثل ذلك. فقال أبو بكر: إنه رسول اللَّه ولن يضيعه اللَّه أبدًا. قال: فنزل القرآن على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالفتح، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه؛ فقال: يا رسول اللَّه! أَوَفَتح هو؟ قال: "نعم". فطابت نفسه ورجع. فهذا من فوائد الملازمة، والانقياد للعلماء، والصبر في مواطن الإشكال؛ حتى لاح البرهان للعيان، وفيه قال سهل بن حنيف يوم صفين: "أيها الناس، اتهموا رأيكم، واللَّه؛ لقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أني أستطيع أن أرد أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لرددته". وإنما قال ذلك لما عرض لهم فيه من الإشكال، وإنما نزلت سورة الفتح بعد ما =