للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما مصطلح التعصب فمصطلح بات هلاميًا؛ إذ كل من خالفك في الرأي ويرى أنه وحده على الحق ولم يستطع العدول بك إلى رأيه رماك به، ومهما يكن من أمر، فإن التعصب بالمعنى المتبادر إلى الذهن إذا وقع فإنه مذموم، ولا يحل لأحد أن يقع فيه، هذا أولًا.

وأما ثانيًا؛ فإن المقلد لا يجوز له تعاطي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما هو معلوم، وإن رأى منكرًا فلا يغيره إلا بقلبه؛ إذ ربما يكون يريد الخير ولا يجنيه، وكم من مريد للخير ولا يناله، فهذا باب تراعى فيه المصالح والمفاسد، ولا يقدرها إلا العلماء، ومن هنا يجب على الأمة التحلق حول علمائها الثقات الأثبات، فبهم تدرك المنى، وتتحقق الغايات.

ورابعها قوله: (فحينما تطالع مثلًا أول زاد المستقنع تجد عبارة "وأقسام المياه ثلاثة" وهذا خطأ، بل هما قسمان فقط) أقول: بل أقسامها ثلاثة، كما يدل عليه النظر؛ ذلك لأن الماء إما أن يصح استعماله في العبادات والعادات، وهو الماء المسمى: الطهور، والمطلق؛ لأنه طاهر


= خالطهم الحزن والكآبة؛ لشدة الإشكال عليهم، والتباس الأمر، ولكنهم سلموا وتركوا رأيهم حتى نزل القرآن فزال الإشكال والالتباس.
وصار مثل ذلك أصلًا لمن بعدهم؛ فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى فقهوا، ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية، وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالمًا اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا وله قدوة واشتهر في قرنه بمثل ذلك، وقلما وجدت فرقة زائغة، ولا أحد مخالف للسنة إلا وهو مفارق لهذا الوصف، وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري، وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ، ولا تأدب بآدابهم، وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة وأشباههم.
والثالثة: الاقتداء بمن أخذ عنه، والتأدب بأدبه، كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واقتداء التابعين بالصحابة، وهكذا في كل قرن، وبهذا لوصف امتاز مالك عن أضرابه -أعني: بشدة الاتصاف به- وإلا؛ فالجميع ممن يهتدى به في الدين، كذلك كانوا، ولكن مالكًا اشتهر بالمبالغة في هذا المعنى.
فلما تُركَ هذا الوصف؛ رفعت البدع رؤوسها؛ لأن ترك الاقتداء دليل على أمر حدث عند التارك، أصله اتباع الهوى. . ".

<<  <  ج: ص:  >  >>