فقال: أما علمتم أن قول السلف هو رأي لهم، وأثر لمن بعدهم، ولقد كنت أسأل ابن القاسم عن مسألة فيجيبني فيها، فأقول له: هو قول مالك؟ فيقول: كذا أخال، وأرى، وكان، وربما: ورعًا يكره أن يهجم على الجواب. قال: والناس يتكلمون في هذه المسائل، ومنعها أسد من سحنون، فتلطف سحنون حتى وصلت إليه، ثم ارتحل سحنون بالأسدية إلى ابن القاسم فيها شيء لا بد من تفسيره، وأجاب عما كان يشك فيه، واستدرك فيها أشياء كثيرة؛ لأنه كان أملاها على أسد من حفظه. قال ابن الحارث: رحل سحنون إلى ابن القاسم وقد تفقه في علم مالك، فكاشف ابن القاسم عن هذه الكتب مكاشفة فقيه يفهم، فهذبها مع سحنون. وحكي أن سحنون لما ورد على ابن القاسم مسألة عن أسد فأخبره بما انتشر من علمه في الآفاق، فسرّ بذلك، ثم سأله وأحله ابن القاسم من نفسه بمحل، وقال له سحنون: أريد أن أسمع منك كتب أسد، فاستخار اللَّه وسمعها عليه، وأسقط منها ما كان يشك فيه من قول مالك، وأجابه فيه على رأيه، وكتب إلى أسد أن أعرض كتبك على كتب سحنون؛ فإني رجعت عن أشياء مما رويتها عني، فغضب أسد، وقال: قل لابن القاسم: أنا صيرتك ابن القاسم، ارجع عما اتفقنا عليه إلى ما رجعت أنت الآن عنه، فترك أسد سماعها، وذكر أن بعض أصحاب أسد دخل عليه وهو يبكي، فسأله, فأخبره بالقصة، وقال: أعرض كتبي على كتبه وأنا ربيته؟ فقال له هذا: وأنت الذي نوهت لابن القاسم، فقال له: لا تفعل، لو رأيته لم تقل هذا. وذكر أن أسدًا همَّ بإصلاحها، فرده عن ذلك بعض أصحابه، وقال: لا تضع قدرك، تصلح كتبك من كتبه، وأنت سمعتها قبله؟ فترك ذلك. وذكر أن ذلك بلغ ابن القاسم، فقال: اللهم لا تبارك في الأسدية. قال الشيرازي: فهي مرفوضة إلى اليوم. قال الشيرازي: واقتصر الناس على التفقه في كتب سحنون، ونظر سحنون فيها نظرًا آخر فهذبها، وبوّبها ودونها، وألحق فيها من خلاف كبار أصحاب مالك ما اختار ذكره، وذيل أبوابها بالحديث والآثار, إلا كتبًا منها مفرقة، بقيت على أصل اختلاطها في السماع. فهذه هي كتب سحنون المدونة والمختلطة، وهي أصل المذهب المرجح روايتها على غيرها، عند المغاربة، وإياها اختصر مختصروهم وشرح شارحوههم، وبها مناظرتهم ومذاكرتهم، ونسيت الأسدية فلا ذكر لها الآن". (١) هو: محمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد، (٤٥٠ - ٥٢٠ هـ = ١٠٥٨ - ١١٢٦ م): قاضي =