للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دون ما ورد عنه خارجها، هو من التحجير للواسع، لا سيما إذا انفرد بالنقل، أو كان الأكثر من الرواة على خلافه؛ لأنه حسبما تقتضيه قواعد المنهج العلمي يكون نقله أو قوله شاذًا في المذهب، ولعل هذا مأخذ ابن أبي زيد القيرواني في عدم اعتماد قول ابن القاسم في المدونة أحيانًا.

ثم لو كان المشهور هو قول ابن القاسم، ولا يسوغ خلافه للمنتسب للمذهب فتوًى وقضاء (١)، فلِمَ خالفه أصحاب هذا الرأي في ثماني عشرة مسألة؟ ! (٢)، أتراهم خالفوه هوًى، أم خالفوه لمشهور آخر عند قوم آخرين؛ لاعتبارات اضطرتهم، وظروف حاصرتهم، وعلى الثاني فإنا نقول: لا بد من معرفتها والإفادة منها، والقياس عليها، وجعلها منهجًا علميًا في المذهب؛ إذ ما وسعهم يجب أن يسعنا، ولا شك أن خروجهم عنه ما كان تشهيًا ولا هوى، حاش للَّه.

ونسأل -أيضًا- أولئك الذين قد حطوا من شأن (جواهر الدرر) لأجل ما أعلمتك: هل تكون كتبُ العلماء الأجلاء من المغاربة والأندلسيين لأجل هذه المخالفة للمشهور الذي لديهم هم أنفسهم غيرَ معتمدة؟ فلازم كلامهم بحق (جواهر الدرر) نتيجته هذه، ولا شك أنْ لا أحد يجرؤ على ذلك؛ لأنهم هم من هم علمًا وفهمًا، وورعًا وتقوى، وكما قال الفرزدق:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم


= قال برهانُ الدِّينِ: فتقررَ من هذا أَن قولَ ابنِ القاسمِ هُوَ المشهورُ فِي الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ فِي الْمُدَوَّنَةِ"، ولو كان ذلك كذلك فالموطأ أرجح من المدونة عند التعارض -ولا بد- من حيث إنه من كتابة الإمام بخطه، وقرأه كل مريديه عنه من سائر الأمصار، كما صرح بذلك ابن العربي.
(١) ففي أحكام القاضي بن المطرِّف الشَّعْبِىِّ -كما في المصدر السابق (١/ ٧١) - "قال القاضي ابن الْمُطَرِّفِ بن بِشْرِ: مَنْ خرج عن الفتوى بقول ابن القاسم واضْطَرَبَتْ فُتْيَاهُ بقول غيره وبقوله فإِنه حَقِيقٌ بالنكير عليه وسُوءِ الظن به".
(٢) ينظر: المفيد للحكام، ص ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>