للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الديون إلى أخذه منهم، خوفًا أن يذهب حقهم في أيديهم بأكل أو غيره لفقرهم، ولاضطرار من كان من أرباب الديون حضريًا إلى الرجوع إلى حاضرته، ولا حكام بالبادية أيضًا، مع ما في المذهب في ذلك من الرخصة إن لم يكن هنالك شرط ولا عادة، وإباحة كثير من فقهاء الأمصار لذلك وغيره من بيوع الآجال خلافًا للقول بالذرائع.

فأجاب: إن أردت بما أشرت إليه إباحة أخذ طعام عن ثمن طعام هو جنس مخالف لما اقتضى، فهذا ممنوع في المذهب، ولا رخصة فيه عند أهل المذهب كما توهمت.

قال: ولست ممن يحمل الناس على غير المعروف المشهور من مذهب مالك وأصحابه؛ لأن الورع قل، بل كاد يعدم، والتحفظ على الديانات كذلك، وكثرت الشهوات، وكثر من يدعي العلم ويتجاسر على الفتوى فيه، فلو فتح لهم باب في مخالفة المذهب؛ لاتسع الخرق على الراقع، وهتكوا حجاب هيبة المذهب، وهذا من المفسدات التي لا خفاء بها، ولكن إذا لم يقدر على أخذ الثمن إلا أن يأخذ طعامًا؛ فليأخذه منهم من يبيعه على ملك منفذه إلى الحاضرة، ويقبض البائع الثمن، ويفعل ذلك بإشهاد من غير تحيل على إظهار ما يجوز.

فانظر كيف لم يستجز -وهو المتفق على إمامته- الفتوى بغير مشهور المذهب، ولا بغير ما يعرف منه بناءً على قاعدة مصلحية ضرورية؛ إذ قل الورع والديانة من كثير ممن ينتصب لبث العلم والفتوى كما تقدم تمثيله؛ فلو فتح لهم هذا الباب لانحلت عرى المذهب، بل جميع المذاهب؛ لأن ما وجب للشيء وجب لمثله، وظهر أن تلك الضرورة التي ادعيت في السؤال ليست بضرورة" (١).

بل إن الشيخ خليلًا -رحمه اللَّه تعالى- لم يطرد له في مختصره عمل بأحد الأقوال في التشهير، وذلك واضح وجلي لمن استقرأ مختصره، فتارةً


(١) الموافقات (٥/ ١٠٠ - ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>