وليس ما فهمتموه عن ابن عباس أولى من هذا الفهم، ولعله أراد أن ذلك من رحمة اللَّه بالأمة ليقتدي به من نام عن الصلاة ولم يفرط بتأخيرها فمن اين يدل كلامه هذا على أن سروره بتلك الصلاة لأنها تدل على أن من لم يصل وأخر صلاة الليل إلى النهار عمدًا وصلاة النهار إلى الليل أنها تصح منه وتقبل وتبرأ بها ذمته وإن فهم هذا من كلام ابن عباس لمن اعجب العجب فأخبرونا كيف وقع لكم هذا الفهم من كلامه وبأي طريق فهمتموه فصل في الكلام عن النسيان وأنواعه. وأما قولكم: إن النسيان في لغة العرب هو الترك كقوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: ٦٧] إلخ فنعم لعمر اللَّه إن النسيان في القرآن على وجهين نسيان ترك ونسيان سهو، ولكن حمل الحديث على نسيان الترك عمدًا باطل لأربعة أوجه: أحدها: أنه قال: "فليصلها إذا ذكرها" الموطأ (١/ ١٣)، وهذا صريح في أن النسيان في الحديث نسيان سهو لا نسيان عمد وإلا كان قوله إذا ذكرها كلامًا لا فائدة فيه فالنسيان إذا قوبل بالذكر لم يكن إلا نسيان سهو كقوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٤] وقوله: "إذا نسيت فذكروني" البخاري (رقم ١٩٣٣) مسلم (رقم ١١٥٥). الثاني: أنه قال فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ومعلوم أن من تركها عمدًا لا يكفر عنه فعلها بعد الوقت إثم التفويت هذا مما لا خلاف فيه بين الأمة ولا يجوز نسبته إلى رسول اللَّه إذ يبقى معنى الحديث من ترك الصلاة عمدًا حتى خرج وقتها فكفارة إثمه صلاتها بعد الوقت، وشناعة هذا القول أعظم من شناعتكم علينا القول بأنها لا تنفعه ولا تقبل منه فأين هذا من قولكم. الثالث: أنه قابل الناسي في الحديث بالنائم وهذه المقابلة تقتضي أنه الساهي كما يقول جملة أهل الشرع النائم والناسي غير مؤاخذين. الرابع: أن الناسي في كلام الشارع إذا علق به الإحكام لم يكن مراده إلا الساهي، وهذا مطرد في جميع كلامه كقوله: "من أكل أو شرب ناسيًا فليتم صومه فإنما أطعمه اللَّه"، مسلم (رقم ٥٧٢). =