فنقول: هذا الدليل مبني على مقدمتين. إحداهما: إن الصلاة والصيام دين ثابت في ذمة من تركهما عمدًا، والمقدمة الثانية أن هذا الدين قابل للأداء فيجب أداؤه. فأما المقدمة الأولى؛ فلا نزاع فيها ولا نعلم أن أحدًا من أهل العلم قال بسقوطها من ذمته بالتأخير ولعلكم توهمتم علينا أنا نقول بذلك وأخذتم في الشناعة علينا وفي التشغيب ونحن لم نقل ذلك ولا أحد من أهل الإسلام. وأما المقدمة الثانية؛ ففيها وقع النزاع وأنتم لم تقيموا عليها دليلًا فادعاؤكم لها هو دعوى محل النزاع بعينه جعلتموه مقدمة من مقدمات الدليل وأثبتم الحكم بنفسه؛ فمنازعوكم يقولون: لم يبق للمكلف طريق إلى استدراك هذا الفائت، وإن اللَّه تعالى لا يقبل أداء هذا الحق إلا في وقته وعلى صفته التي شرعه عليها، وقد أقاموا على ذلك من الأدلة ما قد سمعتم، في الدليل على أن هذا الحق قابل للأداء في غير وقته المحدود له شرعًا وأنه يكون عبادة بعد خروج وقته. وأما قوله: "اقضوا اللَّه فاللَّه أحق بالقضاء" البخاري (رقم) وقوله: "دين اللَّه أحق أن يقضى" البخاري (رقم ١٩٠٣) مسلم (رقم ١١٤٨) فهذا إنما قاله في حق المعذور لا المفرط. ونحن نقول: في مثل هذا الدين يقبل القضاء وأيضًا فهذا إنما قاله رسول اللَّه في النذر المطلق الذي ليس له وقت محدود الطرفين ففي الصحيحين من حديث ابن عباس أن امرأة قالت: يا رسول اللَّه إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ قال: "أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يودي ذلك عنها" قالت: نعم، قال: "فصومي عن أمك" البخاري (رقم ١٩٠٣) مسلم (رقم ١١٤٨). وفي رواية أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن نجاها اللَّه أن تصوم شهرًا فأنجاها اللَّه سبحانه وتعالى فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إلى رسول اللَّه فذكرت ذلك فقال: "صومي عنها" رواه أهل السنن أبو داود (رقم ٣٣٠٨) النسائي (رقم ٣٨١٦). وكذلك جاء منه الأمر بقضاء هذا الدين في الحج الذي لا يفوت وقته إلا بنفاد العمر ففي المسند (٤/ ٥) والسنن النسائي (رقم ٣٦٣٥) من حديث عبد اللَّه بن الزبير قال: جاء رجل من خثعم إلى رسول اللَّه فقال: إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ لا يستطيع ركوب رحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال: "أنت أكبر ولده" قال: نعم، قال: "أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه أكان ذلك يجزيء عنه" قال: نعم قال: "فحج عنه". =