وعن ابن عباس أيضًا قال: أتى النبي رجل فقال: إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفأحج عنه؟ قال: "أرأيت لو أن أباك ترك دينًا عليه فقضيته كان يجزئ عنه" قال: نعم، قال: "فحج عن أبيك" رواه الدارقطني (٢/ ٢٦٠). ونحن نقول في مثل هذا الدين القابل للأداء: دين اللَّه أحق أن يقضى؛ فالقضاء المذكور في هذه الأحاديث ليس بقضاء عبادة مؤقتة محدودة الطرفين وقد جاهر بمعصيته اللَّه سبحانه وتعالى بتفويتها بطرًا وعدوانًا فهذا الدين مستحقه لا يعتد به ولا يقبله إلا على صفته التي شرعه عليها ولهذا لو قضاه على غير تلك الصفة لم تنفعه. فصل في الفرق بالقياس بين النائم والناسي وبين المتعمد: قولكم: وإذا كان النائم والناسي للصلاة وهما معذوران يقضيانها بعد خروج وقتها كان المتعمد لتركها أولى. فجوابه من وجوه: أحدها: المعارضة بما هو أصح منه أو مثله وهو أن يقال: لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور المطيع للَّه ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به وقبوله منه صحته وقبوله منه متعد لحدود اللَّه مضيع لأمره تارك لحقه عمدًا وعدوانًا، فقياس هذا على هذا في صحه العبادة وقبولها منه وبراء الذمة بها من أفسد القياس. الوجه الثاني: إن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها بل في نفس وقتها الذي وقته اللَّه له فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ ويذكر كما قال: "من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها" رواه البيهقي السنن (٢/ ٢١٩) والدارقطني (١/ ٤٢٣) وقد تقدم. فالوقت وقتان: وقت اختيار ووقت عذر فوقت المعذور بنوم أو سهو هو وقت ذكره واستيقاظه؛ فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها فكيف يقاس عليه من صلاها في غير وقتها عمدًا وعدوانًا. الثالث: إن الشريعة قد فرقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي وبين المعذور وغيره وهما مما لا خفاء به، فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز. الرابع: إنا لم نسقطها عن العامد المفرط ونأمر بها المعذور حتى يكون ما ذكرتم حجة علينا، بل ألزمنا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى استدراكها تغليظًا عليه وجوزنا قضاءها للمعذور غير المفرط. =