للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وأما استدلالكم بقول: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" البخاري (رقم ٥٧٩) مسلم (رقم ٦٠٨) في أصحه من حديث، وما أراه على مقتضى قولكم؛ فإنكم تقولون: هو مدرك العصر ولو لم يدرك من وقتها شيئًا البتة، بمعنى إنه مدرك لفعلها صحيحة منه مبرئة لذمته فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق من مبرئة لذمته، فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه لم يتعلق إدراكها بركعة، ومعلوم أن النبي لم يرد أن من أدرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقًا، فإنه أمر أن يوقع جميعها في وقتها فعلم أن هذا الإدراك لا يرفع الإثم بل هو مدرك آثم فلو كانت تصح بعد الغروب لم يكن فرق بين أن يدرك ركعة من الوقت أو لا يدرك شيئًا منه شيئًا.
فإن قلتم: إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم أثرًا.
قيل لكم: النبي لم يفرق بين إدراك الركعة وعدمها في كثرة الإثم وخفته وإنما فرق بينهما في الإدراك وعدمه، ولا ريب أن المفوت لمجموعها في وقت أعظم من المفوت، لأكثرها والمفوت لأكثرها فيه أعظم من المفوت لركعة منها فنحن نسألكم ونقول: ما هذا الإدراك الحاصل بركعة أهذا إدراك يرفع الإثم، فهذا لا يقوله أحد، أو إدراك يقتضي الصحة فلا فرق فيه بين أن يفوتها بالكلية أو يفوتها إلا ركعة منها.
فصل في عدم صحة الاحتجاج بتأخير النبي للصلاة يوم الخندق:
وأما احتجاجكم بتأخير النبي لها يوم الخندق من غير نوم ولا نسيان ثم قضاها، فيقال: ياللَّه العجب لو أتينا نحن بمثل هذا لقامت قيامتكم وأقمتم قيامتنا بالتشنيع علينا فكيف تحتجون على تفويت صاحبه عاص للَّه آثم متعد لحدود مستوجب لعقابه بتفويت صدر من أطوع الخلق للَّه وأرضاهم له وأتبعهم لأمره وهو مطيع للَّه في ذلك التأخير متبع مرضاته فيه، وذلك التأخير منه صلوات اللَّه وسلام عليه إما أن يكون نسيانًا منه أو يكون أخرها عمدًا، وعلى التقديرين فلا حجة لكم فيه بوجه فإنه إن كان نسيانًا فنحن وسائر الأمة نقول بموجبه، وأن الناسي يصليها متى ذكرها وإن كان عامدًا فهو تأخير لها من وقت إلى وقت أذن فيه، كتأخير المسافر والمعذور الظهر إلى وقت العصر والمغرب إلى وقت العشاء.
وقد اختلف الناس فيمن أدركته الصلاة وهو مشغول بقتال العدو على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يصلي حال القتال على حسب حاله ولا يؤخر الصلاة، قالوا: والتأخير يوم الخندق منسوخ، وهذا هو مذهب الإمام الشافعي والإمام مالك والإمام أحمد في المشهور عنه من مذهبه.
الثاني: أنها تؤخر كما أخر النبي يوم الخندق وهذا مذهب أبي حنيفة.
والأولون يجيبون على هذا بأنه كان قبل أن تشرع صلاة الخوف فلما شرعت صلاة =

<<  <  ج: ص:  >  >>