للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الخوف لم يؤخرها بعد ذلك في غزاة واحدة.
والحنفية تجيب عن ذلك بأن صلاة الخوف إنما شرعت على تلك الوجوه ما لم يلتحم القتال؛ فإنهم يمكنهم أن يصلوا صلاة الخوف كما أمر اللَّه سبحانه بأن يقوموا صفين صفًا يصلون وصفا يحرسون وأما حال الالتحام فلا يمكن ذلك؛ فالتأخير وقع حال الاشتغال بالقتال وصلاة الخوف شرعت حال المواجهة قبل الاشتغال بالقتال وهذا له موضع وهذا في القول كما ترى.
وقالت طائفة ثالثة: يخير بين تقديمها والصلاة على حسب حاله وبين تأخيرها حتى يتمكن من فعلها، وهذا مذهب جماعة من الشاميين وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد لأن الصحابة فعلوا هذا، وهذا في قصة بني قريظة كما سنذكرها بعد هذا إن شاء اللَّه تعالى، وعلى الأقوال الثلاثة فلا حجة للعاصي المفرط المعتدي الذي قد باء بعقوبة اللَّه وإثم التفويت في ذلك بوجه من الوجوه وباللَّه التوفيق.
فصل في الكلام على صلاة العصر في بني قريظة.
وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بتأخير الصحابة العصر إلى بعد غروب الشمس عمدًا حين قال النبي: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" البخاري (رقم ٩٤٦) مسلم (رقم ١٧٧٠) فأدركت طائفة الصلاة في الطريق فقالوا: لم يرد منا تأخيرها فصلوها في الطريق وأبت طائفة أخرى أن تصليها إلا في بني قريظة فصلوها بعد العشاء في عنف رسول اللَّه واحدة من الطائفتين؛ فإن الذين أخروها كانوا مطيعين لرسول اللَّه معتقدين وجوب ذلك التأخير وأن وقتها الذي أمروا به حيث أدركهم في بني قريظة فكيف يقاس العاصي المتعدي لحدود اللَّه على المطيع له الممتثل لأمره فهذا من أبطل قياس في العالم وأفسده، وباللَّه التوفيق.
وقد فضلت طائفة من العلماء الذين أخروها إلى بني قريظة على الذين صلوها في الطريق، قالوا: لأنهم امتثلوا أمر رسول اللَّه على الحقيقة، والآخرون تأولوا فصلوها في الطريق.
فصل في الفرق بين التأخير في الصلوات القابلة للجمع وغيرها:
وأما استدراكم بأمر النبي أن تصلي نافلة مع الأمراء الذين كانوا يضيعون الصلاة عن وقتها ويصلونها في غير الوقت؛ فلا حجة فيه لأنهم لم يكونوا يؤخرون صلاة النهار إلى الليل ولا صلاة الليل إلى النهار، بل كانوا يؤخرون صلاة الظهر إلى وقت العصر، وربما كانوا يؤخرون العصر إلى وقت الأصفرار.
ونحن نقول: إنه متى أخر إحدى صلاتي الجمع إلى وقت الأخرى صلاها في وقت الثانية، وإن كان غير معذور وكذلك إذا أخر العصر إلى الاصفرار بل إلى أن يبقى منها قدر ركعة؛ فإنه يصليها بالنص، وقد جمع النبي بالمدينة من غير خوف ولا مطر =

<<  <  ج: ص:  >  >>