وأما قولكم: قد أجاز رسول اللَّه صلاة من أخر الظهر إلى وقت العصر مع تفريطه في خروج وقت الظهر. فجوابه: إن الوقت مشترك بين الصلاتين في الجملة، وقد جمع رسول اللَّه بالمدينة من غير خوف ولا مرض وهذا لا ينازع فيه ولكن هل أجاز رسول اللَّه صلاة الصبح في وقت الضحى من غير نوم لا نسيان؟ وأما قولكم: وقد روي من حديث أبي قتادة: أن رسول اللَّه قال فيمن نام عن صلاة الصبح: "وإذا كان الغد فليصلها لميقاتها" مسلم (رقم) إن هذا أوضح في أداء المفرط للصلاة عند الذكر وبعد الذكر وهو حديث صحيح الإسناد، فيا للَّه العجب أين في هذا الحديث ما يدل بوجه من وجوه الدلالة نصها أو ظاهرها أو إيمائها على أن العاصي المتعدي لحدود اللَّه بتفويت الصلاة عن وقتها تصح منه بعد الوقت وتبرأ ذمته منها وهو أهل أن تقبل منه وكأنكم فهمتم من قوله: "فإذا كان الغد فليصلها لميقاتها" أمره بتأخيرها إلى الغد وهذا باطل قطعًا لم يرده رسول اللَّه، والحديث صريح في إبطاله؛ فإنه أمره أن يصليها إذا استيقظ أو ذكرها، ثم روي في تمام الحديث هذه الزيادة وهي قوله: "فإذا كان من الغد فليصلها لميقاتها"، وقد اختلف الناس في صحة هذه الزيادة ومعناها فقال بعض الحفاظ: هذه الزيادة وهم من عبد اللَّه بن رباح الذي روى الحديث عن أبي قتادة أو من أحد الرواة وقد روي عن البخاري أنه قال: لا يتابع في قوله: فليصل إذا ذكرها لوقتها من الغد. وقد روى الإمام أحمد في مسنده (٤/ ٤٤١) عن عمران بن حصين قال: سرت مع رسول اللَّه فلما كان من آخر الليل عرسنا، فلم نستيقظ حتى ألحقتنا الشمس فجعل الرجل يقوم دهشًا إلى طهوره، فأمرهم النبي أن يسكنوا ثم ارتحل فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس توضأ ثم أمر بلالًا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلينا، فقالوا: يا رسول اللَّه إلا نعيدها في وقتها من الغد؟ قال: "أينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا وبقبله منكم". قال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسي: وفي هذا دليل على ما قال البخاري؛ لأن عمران بن الحصين كان حاضرًا ولم يذكر ما قال عبد اللَّه بن رباح عن أبي قتادة، راجع: المغني (٢/ ٣٤٨) وعندي أنه لا تعارض بين الحديثين ولم يأمر رسول اللَّه بإعادتها من الغد، وإنما الذي أمر به فعل الثانية في وقتها، وأن الوقت لم يسقط بالنوم والنسيان بل عاد إلى ما كان عليه، واللَّه أعلم. قوله: وقد روى عبد الرحمن بن علقمة الثقفي قال: قدم وفد ثقيف على رسول اللَّه =