قال الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه "جامع البيان" بعد ذكر إسكان {بارئكم} و {يأمركم} لأبي عمرو وحكاية إنكار سيبويه له، فقال -أعني الداني-: والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء وهو الذي أختاره وآخذ به، ثم لما ذكر نصوص رواته. قال: وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؟ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها. قلنا: ونعني بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتًا في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر {قالوا اتخذ اللَّه ولدا} في البقرة بغير واو، {وبالزبر وبالكتاب المنير} بزيادة الباء في الاسمين ونحو ذلك، فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي، وكقراءة ابن كثير {جنات تجري من تحتها الأنهار} في الموضع الأخير من سورة براءة بزيادة (من)، فإن ذلك ثابت في المصحف المكي، وكذلك {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، في سورة الحديد بحذف (هو)، وكذا {سارعوا} بحذف الواو، وكذا {منهما منقلبا} بالتثنية في الكهف، إلى غير ذلك من مواضع كثيرة في القرآن اختلفت المصاحف فيها فوردت القراءة عن أئمة تلك الأمصار على موافقة مصحفهم، فلو لم يكن ذلك كذلك في شيء من المصاحف العثمانية لكانت القراءة بذلك شاذة لمخالفتها الرسم المجمع عليه. وقولنا بعد ذلك: ولو احتمالًا نعني به ما يوافق الرسم ولو تقديرًا، إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقًا وهو الموافقة الصريحة، وقد تكون تقديرًا وهو الموافقة احتمالًا، فإنه قد خولف صريح الرسم في مواضع إجماعًا نحو: {السموات والصلحت واليل والصلوة والزكوة والربوا}، ونحو (لنظر كيف تعملون) (وجيء) في الموضعين حيث كتب بنون واحدة وبألف بعد الجيم في بعض المصاحف. وقد توافق بعض القراءات الرسم تحقيقًا، ويوافقه بعضها تقديرًا، نحو {ملك يوم الدين} فإنه كتب بغير ألف في جميع المصاحف، فقراءة الحذف تحتمله تخفيفًا كما كتب {ملك الناس}، وقراءة الألف محتملة تقديرًا كما كتب {مالك الملك}، فتكون الألف حذفت اختصارًا، وكذلك {النشأة} حيث كتبت بالألف وافقت قراءة المد =