للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلا هذين القولين موافق لما ذهب إليه محمد بن عبد الحكم، وقد قيل: لا حجة في فعل ابن عمر؛ لأنه كانت في رجليه علة. وهذا غير صحيح؛ لأنه كان يغسل رجليه، فإن كان له عذر ولم يجد من يغسلهما له لم يجز أن يبتدئ الوضوء إلا في الوقت الذي يتيسر له فيه غسل رجليه؛ إذ البداءة بالوضوء قبل ذلك غير مفيد؛ إذ كان لا يستبيح الصلاة إلا بعد تمامه، مع كونه يعلم (١) أن ذلك لا يتعذر عليه في السوق، وظاهر القرآن (٢) يقتضي الموالاة لقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦]، فكان ذلك لحق الصلاة إذا قام إليها؛ لأنه لا يصح أن يصلي ببعض الطهارة.

فأما إذا رأى (٣) أن يتوضأ قبل دخول الوقت أو بعده ولا يتلبس بالصلاة حينئذ، فأتى به متفرقًا فإنه يجزئه، لأنه داخل في امتثال ما أمر المصلي به أنه لا يصلي إلا بطهارة في أعضاء وقد فعل.

فأما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك في مرة واحدة؛ فإن الإتيان به في مرة أسهل على المتوضئ والمغتسل من تفرقته، وهذا موجود في النفوس أنه متى شرع الإنسان في الغسل وفي الوضوء لا يجب (٤) ترك بعضه ليأتي به في زمن آخر، ولو كان الفرض من الله سبحانه أن يؤتى به متفرقًا لكان ذلك أشق من الإتيان به في مرة واحدة (٥)، وهو في زمن البرد أشد، وهو في الغسل إذا فرقه أعظم مشقة.


(١) قوله: (كونه يعلم) يقابله في (س): (أن نعلم).
(٢) في (ر): (القولين).
(٣) في (ر): (أراد).
(٤) قوله: (يجب) في (ب): (يحب).
(٥) قوله: (واحدة) ساقط من (س).

<<  <  ج: ص:  >  >>