للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتخيير أبين، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ" (١). وهذا يقتضي كونه توسعة ورخصة وتخفيفًا.

قال الشيخ -رحمه الله-: وليس هذا لفظ الإيجاب، وهو كقوله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. أن التأخير ليس بواجب، وله أن يقدمه. وإذا ثبت التخيير - صح أن يقال: إن القصر سنة، بمعنى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل من الأمرين القصر. ويُحمل حديث عائشة - رضي الله عنها -: "أُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ" (٢) أي: جعل له أن يأتي بها ركعتين، ولم يوجب أكثر، وبين ذلك أنها كانت أتمت في السفر.

ولا يُعترض هذا بأنها أمُّ المؤمنين؛ لأنه لا يختلف أن المرأة لو سافرت إلى أولادها وهم خمسة وبينها وبين كل واحد منهم عشرة أميال، وهي تريد أقصاهم - ما وجب عليها الإتمام، وإِن وطنَ أولادِها ليس بوطن لها، وأن الأم وغيرها في ذلك سواء.

فعلى القول إنه مخير إن أتم لم يُعِدْ، وعلى القول إنه سنة - يعيد ما دام في الوقت. وعلى هذا قول مالك وأصحابه لا إعادة إذا ذهب الوقت (٣).

واختلف في صلاة المسافر خلف المقيم بعد القول إنه سنة، أيُّ ذلك أفضل: القصر أو الجماعة إتمامًا؟ لأن الجماعة أيضًا سنةٌ، ويضاعف فيها الأجر بسبعة وعشرين (٤) جزءًا، وكان ابن عمر يقدم فضل الجماعة، وإذا قدم مكة


(١) سبق تخريجه، ص: ٤٥٤.
(٢) سبق تخريجه، ص: ٤٥٥.
(٣) قال في النوادر: (قَالَ ابْنُ المَواز: ولولا أن مالكًا وأصحابه لم يختلفوا أن مَنْ أتم في السفر إِنمَا يُعِيدُ في الوَقْتِ، لاسْتَحْبَبْتُ أن يُعِيدَ أبدًا. قال غيره: ولم يَرَ مالكٌ الإعادة أبدًا؛ لقوة اختلاف الصحابة في ذلك). انظر: النوادر والزيادات: ١/ ٤٣٢، وما بعدها.
(٤) قوله: (بسبعة وعشرين) في (س): (سبعة وعشرون)

<<  <  ج: ص:  >  >>