أقول -مستعينًا بالله تعالى- بعد حمدِه كما ينبغي لجلاله، والصلاةِ والسلام على نبيِّه المصطفى وصحبِه وآله:
لا يزال الإهمال هو السمة الغالبة على التعامل مع الكثير من كتب التراث العربي والإسلامي، وقد وقف هذا الإهمال حائلًا بين الفقهاء والمتفقهين وبين الحصول عليها أو الوصول إلى بعض ما فيها، وقد أودى بكثير من الأصول الخطية لكتب المذاهب الفقهية، ومذهب إمام دار الهجرة -بخاصة- من بينها، حتى إن كلمة مفقود باتت لصيقة بكثير من الأمهات المصنفة فيه، وربَّما كان ما قيل إنه مفقود موجودًا، ولكن عنونته -في الفهارس التي يضعها غيرُ المختصين في الغالب- بكتاب مجهول، أو نسبته إلى مؤلِّف مجهول، دعَّم زعمَ من زعم، وقناعةَ من اقتنع بأنَّه مفقود.
وحين أيس الكثيرون من الوصول إلى بعض الآثار المفقودة، لم يجد اليأس إلى نفوسنا سبيلًا، بل عقدنا العزم على البحث عن مخطوطات ما لم يطبع من كتب السادة المالكية؛ فوصلنا إلى بعض الأصول الخطية، وامتلكنا بعضها شراءً ممن كانت بحوزته ولم يقدرها حق قدرها، بينما صوَّرنا البعض الآخر حينما أتيحت لنا الفرصُ لتصويره.
وما كتاب "التبصرة" إلا واحدٌ من الدواوين الفقهية التي فُقِد معظمُها، فلم يوقَف في عصرنا على نسخة كاملة منها، بل تناثرت أسفارُها أشتاتًا في شرق العالم وغربِه؛ حتى صار من علامات ثراء المكتبات أن تحتوي على جزءٍ