وقيل: أول آية نزلت في القتال قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}[التوبة: ١٢٣].
وهذا غيرُ صحيحٍ؛ لأن سورة "الحج" نزلت قبل "براءة"، وأيضًا فإن آيةَ الحجّ تضمنت الإباحةَ، والوجوبُ يحتاجُ إلى نص ثانٍ، ولو تقدم الأمرُ بالقتال لاكْتفي به عن الإباحة.
واختلف أيضًا في معنى قوله سبحانه:{قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}[التوبة: ١٢٣] مَن المأمور بالقتال؟ ومن المُقاتَل؟
فقيل: المأمور أهل المدينة بقتال من يليها. وهو قول مالك في كتاب أشهب (١)، قال: ثم تفرقت القُرى بعد ذلك.
وقيل: المأمور بذلك أهل المدينة وغيرهم، يقاتل كل قوم من يليهم، ولأن ذلك حكمة من الله -عز وجل- إذ كان معلومًا أنه لا يمكن قتال جميع الكفار معًا، وأن الممكن قتال طائفة، فكان من هو أقرب أولى؛ لأنه لا يؤمن عند الاشتغال بقتال من بعد هجوم من هو أقرب على ذراري المسلمين.
وقال الداودي: لما فُتحت مكة بقي فرض الجهاد على من يلي الكفار، وسقط عمن بعد منهم يقول: إذا كان بينهم وبين العدو مدن كثيرة من المسلمين؛ كان الفرض على من هو مواجه لهم دون من وراءهم.
وقد كان الجهاد في أول الإسلام وقبل أن يكثر الناس على الأعيان؛ لقول الله -عز وجل-: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}. قيل: جميعًا. ثم على الكفاية، فقال:{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}[التوبة: ١٢٢].