البينة، وأما الأخريان فتحملان على أنه لا تقبل الدعوى ولا البينة عليها إذا لم يمكن التوفيق بين الكلامين، وهذا ما صرح به الحصيري كما نقله عنه الندوي، وعلى ذلك يمكن الجمع بين هذه القواعد وإزالة التناقض الظاهري بينها.
ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها:
إذا خرج إلى دارنا رجل وامرأة من أهل الحرب فشهد مسلمان أنهما خرجا بأمان بعض المسلمين وهما - أي الرجل والمرأة - كذباهما، ثم ادعيا الأمان بعد التكذيب وشهد المسلمان به قبلت شهادتهما؛ والعلة في ذلك أن التناقض لا يمنع قبول البينة على الحرية بخلاف ما لو شهد لهما ذميان أو مستأمنان بذلك فلا تقبل الشهادة؛ لأنها تقوم على المسلمين.
ومنها: إذا مات الرجل فادعى وارثه داراً - في يد رجل - أنها داره اشتراها من أبيه الميت في حياته وصحته وأقام على ذلك بينة فلم تُزَكَّ - أو لم تكن بينة - والذي في يده يزعم أنها داره، فاستحلف المدَّعي عليه فحلف، وتركت الدار في يده، ثم أقام المدعي البينة أنها دار أبيه مات وتركها ميراثاً له، أو أن أباه مات وهي في يده ولا يعلمون له وارثاً غيره، تقبل هذه البينة ويقضى له بالدار ميراثاً، ولا تجعل دعواه الشراء من أبيه إكذاباً لشهوده في الميراث؛ لأنه ليس بين دعوى الميراث وبين الشراء في حياته تناقض، حيث أمكن الجمع؛ لأنه حين ادعى الشراء أول مرة فقد أقر أن الدار كانت ملك أبيه، ثم لما ادعى الميراث فهو يدعي أن الدار على ملك أبيه، وما كان ملك أبيه وقت موته فهو ميراث له، ولذلك لم يتحقق التناقض بين الدعويين.