وقد سبق بيان هذا في قواعد الإقرار وأن الإقرار حجة قاصرة على المقر وهو مقبول في حق المقر وفي قوة البينة والمعاينة وقد يكون أقوى؛ لأن المقر لا يتصور منه الكذب على نفسه ليضرها، والبينة محتملة.
والشق الثاني يتعلق بإثبات الإقرار - إذا كان في غير مجلس الحكم - فإذا ثبت الإذن بالإقرار أو قامت البينة على إقرار المقر فيكون ثبوت ذلك كالثابت بالمشاهدة، أو بالإقرار المسموع أمام الحاكم في مجلس الحكم فينبني عليه الحكم الملزم؛ لأن قوة الثابت بالبينة كقوة الثابت بالمشاهدة في ترتب حكمه عليه.
ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها:
أقر أمام شاهدين أن لفلان عليه ألف دينار - خارج مجلس الحكم - ثم شهد عليه الشاهدان بذلك الإقرار في مجلس الحكم، فشهادتهما مقبولة كإقراره أمام الحاكم.
ومنها: إذا أقر بحق عليه فإقراره ملزم كما لو قامت عليه البينة أو شوهد بأخذ ذلك الحق. ولا فرق في حقوق العباد بين الإقرار والبينة - من حيث الإلزام - فكلاهما ملزم للمقر وللمشهود عليه، ولا يجوز للمقر أن يتراجع عن إقراره، كما لا يمكن رد شهادة الشهود إلا إذا طُعن في عدالتهم. ويفترق الإقرار عن الشهادة بأن الإقرار حجة قاصرة على المقر ولا تتعداه إلى غيره، وأما البينة فهي حجة متعدية إذ تتعدى المشهود عليه إلى غيره عند اتحاد السبب.
وأما من حيث حقوق الله تعالى فيختلف الإقرار عن البينة من حيث إن المقر بحق لله تعالى كالزنا وشرب الخمر يمكنه الرجوع عن إقراره وإكذابه نفسه فلا يقام عليه الحد، ولكن الحق الثابت بالبينة لا يمكن للمشهود عليه الرجوع عنه ولا رده ولا إنكاره بعد الإشهاد عليه.