فإنّ الحكم يبنى فيه على أكثر الرّأي وغالبه وغالب الظّنّ وعلى الظّاهر؛ لأنّ البناء على الظّاهر أو على غالب الظّنّ والرّأي طريق أكثر الأحكام.
فهذه القواعد تتعلّق ببيان حكم الأمر الواقع الذي لا يقين فيه.
ثالثاً: من أمثلة هذه القواعد ومسائلها:
حقيقة الموت لا تعرف، لكن إذا شهد رجلان على رجل أنّه ضرب آخر بالسّيف أو أطلق عليه النّار فلم يزل صاحب فراش حتى مات، فعلى المشهود عليه القصاص، إذا كان الضّرب بالسّيف أو إطلاق النّار عمداً عدواناً؛ لأنّه ظهر أنّ موته بهذا السّبب، ولم يعارضه سبب آخر فيجب إضافة الحكم إليه؛ لأنّ الرّوح لا يمكن أخذه مشاهدة وإنّما طريق الوصول إلى إزهاق الرّوح الأسباب الظّاهرة المعروفة مثل هذه.
ومنها: إذا شهد الشّهود أنّ هذا الشّخص وارث هذا الميّت لا وارث له غيره، تقبل شهادتهم إذا كانوا عدولاً؛ لأنّ حقيقة البنوّة أمر خفي لا يشاهد، وإنّما يعرف بالأسباب الظّاهرة من كون هذا الوارث ابناً لهذا الشّخص من زوجته فلانة.
ومنها: إذا أراد شخص مسلم الجهاد وله أبوان كافران فكرها خروجه كراهة أن يقاتل أهل دينهما - لا شفقة عليه، ولا لكونهما في حاجة إليه - فلا يطعهما، وله الخروج والجهاد، وليس عليه طاعة في داعية الشّرك، وإنّما يعرف ذلك منهما بغالب الظّنّ والرّأي. إلا إذا صرّحا بذلك.