الْقَهْقَرَى وَرَاءَهُ حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَصَلَّى لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَا لَكُمْ حِينَ نَابَكُمْ شَىْءٌ فِي الصَّلَاةِ أَخَذْتُمْ فِي التَّصْفِيقِ، إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ، مَنْ نَابَهُ شَىْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ. فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ حِينَ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَاّ الْتَفَتَ، يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّىَ لِلنَّاسِ حِينَ أَشَرْتُ إِلَيْكَ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله عنه - مَا كَانَ يَنْبَغِى لاِبْنِ أَبِى قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّىَ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. طرفه ٦٨٤
ــ
الأحاديث أنه لما قام في الصف فأخذ الناس في التصفيق فالتفت أبو بكر فرآه، فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والظاهر أنه فهم من قوله: قام في الصف أنه كان اقتدى بأبي بكر؛ فإن أبا بكر لم يلتفت إلا بعد أن أكثروا التصفيق، ويبعد أن يقف ذلك الزمان المديد من غير اقتداء.
(ما كان لابن أبي قحافة) -بضم القاف- كنية أبيه، واسمه عثمان، أسلم في فتح مكة، وعاش بعد الصديق.
قال الخطابي: امتناع أبي بكر عن الاستمرار في الإمامة إمّا للتواضع؛ أو لأنه استدل بشق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفوف أنه لم يرد التقدم، إذ لو أراد لصلى وراء الناس، وهذا الشق الثاني من كلامه ليس بشيء؛ إذ لو كان مراده ذلك لم يشر إليه أن مكانك، ولا عاتبه بعد الصلاة، ولا يجوز من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشير إلى شيء وهو يريد خلافه؛ لأنه خيانة، وهو منزه عنها.
ثم روى حديث أسماء حين صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف، فسألت عائشة، فأشارت برأسها، وموضع الدلالة:(فقالت برأسها) أي: أشارت؛ لأن القول يطلق على كل فعل.
ثم روى عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى جالسًا، والقوم وراءه قيامًا، فأشار إليهم أن اجلسوا. وقد سلف أن هذا الحديث منسوخ، لأنه صلى آخر صلاة صلاها إمامًا جالسًا والقوم وراءه قيامًا.
ومن فوائد الحديث المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت، وجواز بعض الصلاة إمامًا وبعضها مأمومًا، وأن العمل القليل لا يفسد الصلاة، ومنها جواز صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف آحاد أمته، وقد صلى صلاة خلف عبد الرحمن بن عوف، وغير هذا مما يعلم بالتأمل، هذا آخر كتاب الصلاة، ونسأل الله التوفيق لإكمال الباقي من فضله الواسع.